مقالات هتعجبك

الخيال: ١ – الحكاية البريئة

حكيت لابنتك الصغيرة حكاية بابا نويل، الرجل الطيب ذي اللحية البيضاء، الذي يركب عربة تجرها الغزلان، ويفيض عليها كل عام بما تريد من هدايا، ويشعرها بما في العالم من نوايا سعيدة، وحب وحنان.

جميل.

كبرت البنت. ظننت أن قالب المعرفة هذا صار أضيق من عمرها. وقررتَ أنه آن الأوان كي تخبرها بالحقيقة. أن بابا نويل ليس كذبة، لكنه مجاز، خيال. لأمور جوهرها …..

لم تمهلك. لقد غضبت غضبا شديدا. لا تتخيل الحياة بدون بابا نويل. قبل كلامك كان عندها شك ضئيل، وأمل كبير. لكنك قتلت الأمل المرجو، وناصرت الشك المكروه.

دخلت الطفلة لتنام فجاءت لها فراشة، وقفت على الشباك، وضربت بجناحيها. يا شابة يا شابة. افتحي لي الشباك. أنا بردانة.

الطفلة ترددت.

الفراشة قالت لها: افتحي لي، لقد جئتك من بابا نويل بخبر جميل.

قفزا، فتحت الطفلة الشباك. وأدخلتها. لكن الخوف والبرد القادمين من الشباك جعلاها ترتعش. فردت الفراشة الصغيرة جناحيها، كبرا وكبرت، حتى أحاطت بطفلتنا الجميلة، ودفئتها.

وحين رفعت جناحها رأت الطفلة عجيبة باهرة. لقد تحولت الفراشة إلى أميرة جميلة، تستحق أجمل وصف، وترتدي أحلى زينة. في أذنيها الرقيقتين زوج من اللؤلو، وزرقة عينيها حول البؤبؤ تشبه لون البحر الداكن، الساكن تحت سقف السماء الصافية، في بلورة الكريستال التي ترى فيها الساحرة كل شيء بوضوح. البحر نصف فستانها الأعلى، يغطي صدرها وبطنها، والشاطئ نصفه الأسفل دافئا فوق ساقيها، وحول الكتف شريط بلون دم يلمع على سكين الشاطر حسن. شاطر حسن. قتل الوحش الذي يحرس بحر البحور. وشاطر السكين الذي قتل أم سنو وايت، التي كانت خدودها حمراء كالدم، ووجهها أبيض كالثج.

في نفس اللحظة كانت الأميرة تسألها: أنا سنو وايت، تعرفيني؟ أمي أرادت تقتلني لأني أجمل منها. وأنا هنا أحذرك. لو لم تقتلي أباك هو أيضا سيقتلك. لأنك طيبة. تحبين بابا ناويل أكثر مما يحبه..

أقتل أبي؟ مستحيل.

أنا حذرتك وذنبك على جنبك. أقول لك. بابا نويل عايزك تسأليه كل يوم سؤال، تلات أسئلة في ثلاثة أيام، لو قال لك إن بابا نويل خيال يبقى لازم تخلصي المسألة. إيه رأيك؟

البنت سألت أباها كل يوم السؤال، كما اتفق. مرة سألته كم قرن في رأس الغزال الذي يجر العربة. أجابها: ثمانية، بس مافيش غزال، دا مجرد خيال.

في الليل أتت لها الفراشة بغزال، وفيه فعلا ٨ قرون. وأهو حقيقة. كيف ينكرها وهو يعلم بالقرون الثمانية!!

الطفلة قالت للفراشة. خلي الغزال معي، وحين يراه، لا بد سيقتنع.

الفراشة قالت لها ”ممنوع“. الغزال لك أنت فقط. لن يراه غيرك أحد. ولو صدقت أباك وكذبتيني، سيقول الغزال لنفسه ولماذا أتعب نفسي وأجر العربة إلى بيتها.

في اليوم التالي سألته. كم باب في عربية بابا نويل.

قال لها خمسة. أربعة على الأجناب، والخامس إلى الورا. بس دا مجرد خيال، قصة، تنحكي وتنقرا.

الفراشة أتت لها بالعربة. وفتحت لها الأبواب تعدها، مثنى وثلاث ورباع وأتمت العد بخمس. ثم قالت لها كما قالت أمس.

والطفلة أرادت العربة دليلا جاهزا.

الفراشة قالت لها مش مسموح. العربية لعيونك، ولن يراها أحد دونك. ولو صدقت أباك وكذبتيني ستقول العربة لنفسها، ولماذا ألف عجلاتي من أجلها.

ثالث يوم سألته عن خبر ما داخل الشوال.

قال لها فانوس دهب، وشمعة فضة، وإبريق نحاس، وتاج ألماس. بس دا مجرد مجاز.

في الليل أتت الفراشة راكبة على أذن فرس. وقالت كما سبق. وزادت أن رنت الجرس. إذ الأمر صدر من بابا نويل، أن الطفلة لا بد أن تقتل أباها.

وكان هذا ما حدث.

فهل كنتَ غلطان أن حكيتَ لها القصة من الأساس؟ أم كنتَ غلطان أن أخبرتها بالفرق بين الحرف والمجاز؟

في كل الأحوال الله يرحمك. والمرة القادمة نجيب على ما سألناك بعد مقتلك..

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

أهلا وسهلا برأيك

%d