مقالات هتعجبك

هل يجب أن نمدد رئاسة الرئيس؟ أين السؤال هنا

تعديل الدستور لإطالة الفترة الرئاسية قضية لا تتعلق بشخص الرئيس السيسي، ويجب أن ننظر إليها من جوانبها الأخرى لكي نصل إلى إجابة

من صفات المؤسسات الناجحة وفرة الكفاءات القادرة على إدارتها في جميع المستويات، حتى الأعلى منها.  لو طبقنا هذه القاعدة على المؤسسة الأكبر، الدولة، فإن غياب تلك الكفاءات فشل إداري في حد ذاته. يتهم شخصية الدولة وآلة إنتاجها الرئيسية – أي قدرتها على إنتاج الكفاءات.

لكن البعض يخلط بين شخص الدولة وشخص الرئيس. فيكررون مرة بعد مرة نفس الخطأ. يعفون الرئيس من مسؤوليته عن إنتاج تلك الكفاءات وتدريبها، في حدود محازبيه على الأقل، على أن تتولى القوى السياسية الأخرى إنتاج كفاءات في صفوفها.

بل ويكافؤون الرئيس على إخفاقه ذاك. بأن يستخدموه مبررا لإطالة مدة حكمه. في الجوهر يخلقون له مصلحة في عدم إنتاج الكفاءات، لأنه في غياب الكفاءات القادرة سيكسب.

كما أن الارتباط واضح بين هذا السلوك وبين سلوك الفقر السياسي بوجه عام، سواء في دائرة الرئيس أو دائرة منافسيه. لأن خلق مصلحة في غياب الكفاءات في صفوف محازبيه تستدعي بالأساس خلق مصلحة في غياب الكفاءات عن الحياة السياسية بوجه عام.

هذا ليس إعفاء للقوى السياسية من المسؤولية. الصحفيون أو الكتاب وظيفتهم التعليق على ما يحدث، أما السياسة، التي مكسبها السلطة والنفوذ، فوظيفة الساعين إلى هذه الجائزة. عليهم أن يواجهوا الظروف الصعبة، وأن يشغلوا عقولهم لخلق مخارج منها، لا أن يتقاعسوا عن أداء مهمتهم، ثم يطلبون ممن حولهم أن يخوضوا المعركة من أجلهم ويسلموهم السلطة.

نحن الآن نواجه السؤال المتكرر. تكرر في التعديلات الدستورية على دستور ١٩٧١ في حكم الرئيس السادات، وتكرر في التعديلات الدستورية في ٢٠٠٥ في حكم الرئيس مبارك، ويتكرر الآن. الغرض واحد: إطالة وجود شخص الرئيس. وتهديد شخصية الدولة.

ربما يكون هناك مؤيدون لإطالة الفترة الرئاسية في مصر، من حقهم أن يدافعوا عن آرائهم. ولكن الحوار هنا يجب ألا يضع العربة قبل الحصان. السؤال هنا عن المسؤولية. الرئيس عبد الفتاح السيسي أشار في غير مرة إلى أن مهمته ”إنقاذية“ وتستلزم إجراءات استثنائية. وثماني سنوات لو أعيد انتخابه فترة كافية جدا لمهمة إنقاذية ولتطبيع الأوضاع. ولم يرد خلال الانتخابات ذكر تعديل الدستور لتمديد الفترة. فمن انتخبوا وقعوا على عقد مدته أربع سنوات.

المهمة الإنقاذية يجب أن تُعَرَّف. هل العودة إلى أسلوب تعديلات الدستور الخادمة لشخص الرئيس تحمل أي تطوير لشخصية الدولة عن الوضع السابق؟ أبدا. هل تحمل أي ملامح تغيير في طريقة الاضطلاع بالمسؤولية؟ أبدا. تحمل أي تغيير في السلوك السياسي وأولوياته؟ أبدا.. ففيم خلعت الشيخ إذن؟!

هناك فريقان كبيران لا يهمهما هذا التغيير المقترح، ولا يكترثان به. والغريب أنهما فريقان متناقضان.

الفريق الأول هو فريق الكافرين بشرعية النظام من أساسه. هؤلاء لا يريدون تطبيع الوضع واستقرار شخصية الدولة استعدادا لتطورها. وهم يرون في هذا السلوك حجة إضافية تؤكد رأيهم وتمد عمر قضيتهم. أن الطرف ذا النفوذ في الدولة – نفسه – عاجز عن الثقة في شخص آخر يحفظ شخصية الدولة بعد أن يؤدي شخص الرئيس الحالي مهمته.

الفريق الآخر هم فريق: ”يعني انتو عجبتكو الديمقراطية؟“. وهؤلاء يخلطون بين الإجراء البسيط الخاص بالكفاءة الإدارية وبين الديمقراطية. لا ينتبهون إلى أن الديمقراطية ليست السؤال هنا. فالديمقراطية سؤال بعيد أعفانا جميعا من الإجابة عنه القوى السياسية المطالبة بها. أعفتنا بسلوكها الذي لا يفهم مقتضيات السعي إلى السلطة، ولا يفهم مقومات التحالف السياسي وطبيعته وشروطه وأهدافه المرحلية. هي أيضا قوى أثبتت أنها مستعدة بالتضحية بالديمقراطية بالتحالف مع أعداء الديمقراطية تحت شعار الديمقراطية.

لكن هذا لا يجب أن يعفينا من ألف باء التطوير. وألف باء التطوير هو التطوير الإداري الذي يمنح شخص الرئيس مدة محددة، ويحدد له أهدافا محددة. يضغط عليه بالوقت لكي يحقق الأهداف. ويضغط عليه بالوقت لكي يضمن ألا يعيد سيرة سابقيه في استحواذ أو تكويش. ويضغط عليه بالوقت لكي يقول للمتبرمين إن هناك مخرجا إن فشل. فليس علينا أن نيأس ولا أن نتبنى إجراءات يأس. لأنها تضر أكثر مما تنفع.

السؤال ليس عن الديمقراطية.

والسؤال ليس عن شخصية الرئيس السيسي، ولا عن إنجازاته، من حقك أن ترفع مقامه في ذهنك كما تريد أو العكس. هذا سؤال آخر له وقت آخر.

السؤال هنا عن شخصية الدولة وطريقة الإدارة وفلسفة العلاقة بين شخص الرئيس وشخص الدولة. وطبيعة العقد الاجتماعي بين الناخبين والمنتخبين.

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

أهلا وسهلا برأيك

%d