مقالات هتعجبك

الحرب على الذكاء أطول الحروب جميعا وأخطرها

هذا جزء مهم من حرب العضلات، والنخبة التي تقود العضلات وتضمن بها السلطة، على الذكاء البشري. وعلى التفكير المنطقي، الطبيعي. 

سلطة رجال الدين تعتمد تماما على مقولة إن النقل مقدم على العقل. والنتيجة أن العقل محبوس. وليس غريبا باستعراض حركة التاريخ إذن أن نرى أن حيثما حل رجال الدين ندرت العبقريات البشرية. قارن بين عدد العباقرة في أوروبا بعد الإصلاح الديني وعددها قبله.

ذلك أن حرب رجال الدين الحقيقية، باعتبار ما سبق، هي على التفكير خارج حدود ما لديهم. وليس غريبا إن اختفى التفكير أن تختفي العبقريات البشرية. إن المهزوم الأول هنا هو الذكاء.

لكننا نظلم رجال الدين إن خصصناهم بالحرب على الذكاء .

الحقيقة أن هذه أوسع الحروب انتشارا على مدار البشرية. وهي ملخصة في الجملة الشهيرة من مسرحية مدرسة المشاغبين: ”أنا المخ وانت العضلات“. فالمنافس الحقيقي للذكاء هو العضلات.. إن كان الذكاء صاحب اليد العليا ازدهر. وإن كانت العضلات هي السلطة على الذكاء، اندحر. فعاش مستكينا أو انتحر.

العضلات لها من الوسائل ما لا يجب الاستهانة به. إلى جانب تميزها النوعي في القدرة على فرض الأمر الواقع، هناك منطقها الحسابي. بالتناسل والتكاثر. ومنطقها العاطفي. بالإصرار على مزيد من المزايا – المدفوعة إنسانيا – لنسلها هذا. مع آلاف من الشعارات.

وهو منطق تستغله نخبة تركن إليها. نخبة انتهازية بالفعل. تموضع نفسها في موقع القيادة من جيش العضلات وتستخدمه لصالحها. تعلو وتعلو، وإن كان على حساب من حولها. ولا سيما منافسوها الأذكياء.

نخبة تصوغ منطق ”الأدب الملتزم“، وتعني به الأدب الملتزم بحقوق جيش العضلات الذي تقوده، والملتزم أيضا بحدود ما تستطيع هي أن تصل إليه من إبداع. وتصوغ منطق ”العلم المجدي“، وتعني به العلم الذي يساعدها في اكتساب القوة. ليس غريبا أن نرى أن تلك المجتمعات تسعى أول ما تسعى إلى الحصول على ”قوة نووية“، وحين تصف العلم تصفه بأنه ”سلاح“. والفن سلاح. والثقافة سلاح. بينما العلم ثروة وكذلك غيره من أوجه النشاط الإنساني.

وتصوغ منطق ”الاقتصاد التكافلي“، وتعني به الاقتصاد الذي يخدم سلوك جيش العضلات الذي تقوده، ويساعده على الاستمرار في سلوكه. على إنتاج مزيد من العضلات، وعلى استخدام العضلات في الوثوب على ثروة الآخرين. وعلى ضمان أن تبقى ثروة الآخرين تحت مستوى ما يسمحون به.

هذا الاقتصاد يملك منطقا حسابيا يصلح للأغبياء ويمنحهم السكينة. أما المنطق الفيزيائي (الطبيعي) الذي يلجأ إليه الأذكياء فيحتاج إلى تفكر، في عوامل غير ظاهرة. ياااااه. ما أصعب المهمة. أن تقنع أغبياء بمنطق ذكي يتجاوز مثال ١+١ = ٢. إنه هدف مهزوم ذاتيا.

هناك علاقة وثيقة إذن بين البداهة الحسابية وبين الغباء ذي العضلات الذي يقوده ثلة مدمرة من الانتهازيين.

في عصر الجمع والالتقاط كان الإنسان القديم يعلم العلاقة المعقدة بين الإنتاج والاستهلاك. وبالتالي يعلم أن الإنجاب والرعاية إعاقة عن الحركة والهجرة وراء مقومات الحياة، أو هربا من الحيوانات المفترسة والبيئات المعادية. فكان يكتفي بطفل واحد تربطه الأم حول بطنها وتهاجر. ولا تنجب غيره حتى يشتد عوده. وإلا صار لزاما على الرجل (ذكرها) أن يخرج وحده، وأن يكون مسؤلا عن إطعام خمسة، بدلا من أن يخرج مع زوجته ويكونان مسؤولين عن إطعام واحد أو واحد ونصف، لو أصبح الأخ الكبير صبيا يستطيع أن يساعد قليلا.

حتى القردة العليا لديها هذه العادة وهي تعيش في البرية. الغوريللا تنجب مرة واحدة كل حوالي ٣ إلى أربع سنوات. مع معدل وفيات ٤٠٪ بين أطفالها. هذا يعني أن متوسط عدد أبناء الغوريللا هو طفل واحد كل ست إلى سبع سنوات.

الإنسان القديم، والغوريللا، مدركون بطبيعتهم للقانون الطبيعي. الذي يقضي بأن يتكفل كل بنفسه ونسله حتى يشتد فيعيد الدورة. وأن مخالفة هذا ستعود بالضرر عليه، لأنها تسحب المرأة من سوق الحصول على الثروة، وتحولها إلى ماكينة إصدار أفواه مستهلكة. ربما لم يكن لديهم من يطمئنهم بأن ”العيل بييجي برزقه“، أو من يحول سلوك التطفل على الغير إلى حق إنساني أو ”غوريللي“.

خلف كل هذا الخلل العقلي الذي أصاب الإنسان، نستطيع ببساطة أن ننظر إلى المجتمعات الناجحة وإلى النسبة بين المواليد والقدرة على حيازة الثروة.

وأن ننظر إلى المجتمعات الفاشلة وإلى النسبة بين المواليد والقدرة على حيازة الثروة.

نستطيع أن نقارن بين المجتمعات التي يقودها الذكاء وبين المجتمعات التي يقودها الانتهازيون قادة الأغبياء. نستطيع أن نقارن هذا بذاك ونحسم الجدل. لكن لا. لن نفعل.

لماذا؟

لأن هذا جزء مهم من حرب العضلات، والنخبة التي تقود العضلات وتضمن بها السلطة، على الذكاء البشري. وعلى التفكير المنطقي، الطبيعي.

الحرب على الذكاء في المجتمعات الفاشلة تتوغل وتتوغل، قوانينها تمجد الأقدمية، شعاراتها تتعب الناجحين حتى تخسف بهم الأرض، وتقرن بين الفشل والذمة والضمير. إنها باختصار مكنة تفريخ لنجم الجيل: “الطالب المتوسط”.

إن الحرب على الذكاء هي أطول الحروب جميعا.

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

أهلا وسهلا برأيك

Discover more from البوست العربي

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading