مقالات هتعجبك

رئيس مصر يرفع شعار الإخوان المسلمين ويؤكد عليه

الرئيس #السيسي كان واضحا في تعهده بملاحقة #الإخوان_المسلمين. لكن هناك خطوة مفقودة لكي تتغير المعادلة في المستقبل، ولا تكون تكرارا لسابقاتها

في تبسيط علاقة دولة يوليو بالدين السياسي

في دولة يوليو ثلاثة تيارات رئيسية: الاشتراكيون القوميون، مثل عبد الناصر، والإصلاحيون مثل السادات، والتيار الديني وهو الإخوان المسلمون وغيرهم.

هذا لا يعني أن التيارات الثلاثة منفصلة كما يبدو من الانفصال اللغوي بينها. بل هي دوائر متقاطعة. شكلت منذ بدء دولة يوليو عناصر أساسية فيها.

وباستثناء تيار الإصلاحيين، فإن التيارين الآخرين أعطيا الحركة شرعيتها الجماهيرية. فهما تياران أقوى شعبيا. تتفق التيارات الثلاثة على الدين الإسلامي مكونا أساسيا من مكونات الهوية. لكنهم اختلفوا على موقعه في ثلاث درجات بالترتيب…

١- الإخوان المسلمون، يعتبرون أن الهوية الإسلامية في المقام الأول، ثم تأتي مصر في المقام الثاني. والأمر عندهم محسوم بنصوص الدين.

 ٢- التيار الناصري، هوية أممية عروبية، لكن مصر تأتي فيها في المقام الأول. فهي بالنسبة لهم القائد الطبيعي للوحدة العربية. كلمة عربية حلت محل إسلامية. وكلمة وحدة حلت محل الخلافة. وقد تغير اللفظ في الثلاثين سنة الأخيرة ليجمع بين الهويتين، فصار ”العربية الإسلامية“.

٣- التيار الوطني الإصلاحي. وهو تيار ذو هوية مصرية، لكنها غير معرفة، بل في مرحلة “البحث عن الذات”…

في الهويات الثلاثة كان الدين عنصرا أساسيا. بل كان الخلط بين الدين والدولة عنصرا أساسيا، الاختلاف فقط في الدرجة.. وهذا ما سيظهر في عدة صراعات داخل جسم الدولة.

الانعكاسات السياسية لعلاقة الدين بدولة يوليو في صراعاتها

الصراع الأول هو صراع الحسم الذي قاده جمال عبد الناصر.. في هذا الصراع استطاع عبد الناصر، ولن تتكرر لأحد بعده، أن يستبعد تياري الإخوان المسلمين، وتيار الإصلاحيين الأوائل، وأن يرسخ شرعية يوليو على أساس عروبي كما تجلى ذلك في الجمهورية العربية المتحدة.

yr

عبد الناصر في زيارة لقبر حسن البنا

ابتعد الإصلاحيون ولكنهم لم يحملوا السلاح ولا حاولوا نزع الشرعية عن دولة يوليو.

أما الإخوان فقد أعلنوا الحرب على السلطة، ونزعوا منها الشرعية السياسية والإسلامية معا ….

هنا استعان عبد الناصر بالأزهر لكي يملأ فراغ الشرعية الإسلامية بديلا عن الإخوان. ولم يكن ذلك بلا ثمن. لقد كسب الإسلام السياسي مساحة كبيرة داخل الدولة بهذه الخطوة.

الأزهر توسع بشكل كبير بعد قانون إصلاح الأزهر عام ١٩٦١، وخرج عبر السنين ملايين الدعاة الذين يحملون ويدرسون قيم الإسلام السياسي. لا يعني هذا أنهم إخوان مسلمون. إنما كالإخوان المسلمين يدرسون ويدرِّسون أن المواطن المسيحي أقل درجة من المسلم. وأن اليهود أعداء الله. وأن الجهاد واجب ضد الغرب الصليبي لأنه معتد علينا أو يناصر اليهود علينا، وهذا الجهاد فرض كفاية أو فرض عين. وأن الأحكام الدينية تعلو على الأحكام القانونية. لا ننسى أن أحد شيوخ الأزهر الكبار قال إنه سجد شكرا بعد هزيمة ١٩٦٧.

القرار نفسه بتوسيع الأزهر لكي يشمل كليات علمية كالطب والهندسة والزراعة والإدارة مخصصة للمسلمين فقط، فضلا  عن أي شيء آخر، قرار تمييزي يعبر عن جوهر أسلمة السياسة في دولة يوليو، وعن تنازلها عن المبدأ المؤسس للدولة الوطنية، وهو مبدأ المساواة بين أفرادها.

الثمن المدفوع للأزهر، صب لمصلحة الإسلام السياسي، حيث إنه رغم المكاسب التي حصل عليها، لم يفقد الإخوان المسلمون المساحة التي يحوزونها. كما سيظهر في الصراع التالي داخل دولة يوليو. وهو الصراع  بين التيار ”الإصلاحي“ الجديد، بقيادة السادات، وبين التيار الناصري الأصولي. في ما عرف بـ ”ثورة التصحيح“.

كانت مشكلة الشرعية هنا من نصيب السادات، الذي اتهمه الناصريون بأنه خرج على المبادئ التي أرسها مؤسس الدولة، فاحتاج السادات إلى الاستعانة بالطرف الثالث من دولة يوليو، الإسلاميين، وإعادتهم إلى الصورة.

مرة أخرى حصل الإسلاميون على تنازلين، مكسبين، آخرين صارت بموجبهما الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. مع ملاحظة أن المكسب السابق – الأزهر – لا يزال موجودا. وأن الإخوان المسلمين رجعوا إلى العمل في المجتمع بحرية.

التنازلات التي قدمها السادات للإسلاميين لم تمنعهم من تبديل تحالفاتهم مرة أخرى. وكان ضحيتها هذه المرة السادات نفسه.

حاول مبارك أن يوائم الأطراف الثلاثة جميعا. وكانت النتيجة أن الدولة صارت بطيئة لا تسير في اتجاه معين، بل تسير بالمحصلة الميكانيكية لثلاث قوى مختلفة الاتجاه.

حين شعرت فصائل دولة يوليو أن مبارك ينوي الانفراد بالسلطة، ماذا حدث؟ كلكم تعلمون. ثم حين حاول الإخوان الانفراد بالسلطة، ماذا حدث؟ كلكم تعلمون.

لم يكن الإسلام السياسي، إذن، بعيدا أبدا عن دولة يوليو. ليس هذا معناه أنني أساوي بين الإخوان وبين الفصيلين الآخرين . أبدا. الخلاف مع هذين الفصيلين سياسي مهما كان حجمه، وهو في حالتي كبير جدا وأعتبره مسؤولا عن التخلف الذي حدث في مصر. لكن يظل هذان الفصيلان ملتزمين بأولوية مصر. على عكس الفصيل الإخواني الذي تتراجع عنده البلد إلى مقام كمقامها أيام شرطة المماليك. مجرد إقطاعية من أرض الإسلام يتولون أمرها لصالح خليفة الأستانة أو الدوحة أو بغداد أو دمشق. هذا فرق جوهري.

ما يهمني أننا نحن المواطنين المصريين دفعنا الثمن دوما في هذا الصراع. وأن التباس موضوع الإسلام السياسي على دولة يوليو، حكما بعد حكم، سبب أساسي في تخلف البلد، وسبب أساسي في تفاقم مشكلة الإرهاب. ولكن فصائل دولة يوليو بدلا من الاعتراف بهذا يكتفون بإلقاء التهم فيما بينهم. والحقيقة أن كل فصائل دولة يوليو بإصلاحييها بقومييها، فضلا عن إسلامييها، مسؤولة عن الوضع الذي وصلنا إليه بالنسبة لطغيان الإسلام السياسي على المجتمع وعلى الدولة، كما استعرضت أعلاه. ويجب أن تعترف الدولة بهذا.

هل هذا مهم؟ طبعا. سأوجز أهميته في الفقرة القادمة.

٣

ثلاثة مكاسب يحققها اعتراف الدولة بمسؤوليتها عن تصاعد الإسلام السياسي

أولا: الاعتراف هو الحد الأدنى لإثبات صدق نية التغيير

لقد تجاوزت الشباب، أي عشت بما يكفي لكي لا أستبعد شيئا. وأنا ببساطة لا أستبعد أن يحتاج حاكم آخر في دولة يوليو إلى الطرف الثالث، الإخوان المسلمين، فيمد يده إليهم طلبا للعون. أي صراع بين الطرفين الحاكمين حاليا حسم في السابق باللجوء إلى الإخوان المسلمين.

من ممن شهدوا ١٩٥٣ و١٩٥٤ و١٩٦٥ كان يصدق أن فصيلا آخر في الدولة سيعود إليهم في ١٩٧١؟ أنا لم أشهد هذه الأحداث. لكن ما سمعته من الأجيال التي شهدتها يقول إن أحدا لم يكن يتوقع هذا. لكنه حدث.

بل من كان يصدق أن رجلا كبير في دولة يوليو بحجم سعد الدين الشاذلي، كان رئيسا للأركان، سيخرج بعد اغتيال قائد الدولة ويتباهى بأن خالد الإسلامبولي ينتمي إليه وإلى جماعة المعارضة؟

الأنكى من ذلك. من كان يصدق أن الدولة ستتجاوز لسعد الدين الشاذلي عن خطأ كهذا، وأنها ستعود لتخلد اسمه في سجلات المتخرجين من الكلية الحربية؟ لكنه حدث. لقد قدم سعد الشاذلي نفسه كعسكري من الجيش المصري، لا ينأى بنفسه عن الإرهاب، ويتفاخر به، ولا ينأى بنفسه عن الإخوان المسلمين. لكن ثبت أن كثيرين يحتفون به. ولا يجدون في ذلك غضاضة. وهذا يعني أن هذا التيار موجود بقوة داخل السلطة المصرية، وليس ممثلا في الإخوان المسلمين فقط.

الاعتراف، لا أقل، خطوة أولى، لا أكثر، نحو أمل في تغيير واضح الاتجاه. ولا يستفيد منه الإسلام السياسي كما فعل في كل الصراعات السابقة. على حسابنا كمواطنين، ولمصلحة بقاء هذا الحاكم أو غيره.

ثانيا: الاعتراف يحدد اتجاه هذا التغيير

دولة يوليو التي في مرحلتها الحالية تطالب بالإصلاح الديني، وتحارب الإخوان المسلمين، محتاجة إن أرادت تغييرا حقيقيا إلى تغيير في القيم السياسية، وليس في المظاهر. وأول القيم التي يجب أن تتخلى عنها هي قيم نفي السياسة. لجوء دولة يوليو إلى الإسلام السياسي لم يكن دافعه تقوى ولا تدينا من رجالاتها المؤسسين. بل كان رافعة نصبت عليها منجنيق الهجوم على قيم مصر الدستورية، وعلى نظام الحكم الديمقراطي. ورافعة علقت عليها قيم العنترية الإقليمية والعالمية لناصر، صلاح الدين الجديد.

كيف تنوي دولة يوليو التغيير؟ كيف ستفعله إن لم تتخلص من القيمة السياسية لأفضلية المسلم على غيره من المواطنين؟ وتتخلص من القيمة السياسية لكره النصارى واليهود وعدم التحالف معهم؟ وتتخلص من القيمة السياسية لأفضلية فتوى الشيخ على حكم القانون؟ كيف؟ لا يمكن.

الخطوة الأولى إذن أن تعترف بمسؤوليتها، ثم عن نيتها لتغيير هذا المسلك، وعلى إقامة وطن جديد، قائم على المساواة بين المواطنين، وعلى سيادة القانون على ما سواه. وعلى الضرب بيد القانون على يحرض على العنف ضد المواطنين بفتوى دينية، وعلى ملاحقة من يميز بين المواطنين في التعاملات على أساس من عقيدتهم. وعلى تخليها عن السقف الذي تضعه للمواطنين غير المسلمين. وعن تخليها عن التقاعس عن حماية غير المسلمين إن تعرضوا لاعتداء بسبب عقيدتهم. وعن احترامها للحيز الخاص للفرد، وتكفلها بحمايته.

كل تنازل قدمته دولة يوليو للإسلام السياسي في الأعالي، انعكس علينا نحن على الأرض. كل قيمة تبنتها لكي تحوز رضاه. انتقصت من فرص رفاهيتنا ورخائنا وتطورنا. مصر ليست ملكا لدولة يوليو. مصر ملك لنا نحن المواطنين.

ثالثا: هذا الاعتراف وحده القادر على إعادة تشكيل تحالفات سياسية داخل مصر

لن يتمكن أي رئيس مصري من الحديث صراحة عن رؤيته لحكم البلد. سيظل يخفيها حتى يتمكن من السلطة خوفا من عدم حصوله على التحالفات اللازمة داخل السلطة.

لست شخصا راديكاليا، ولا أعترف بإسقاط هيكل وبناء هيكل. بل أعتقد أن الكوارث الناشئة عن إسقاط هيكل دولة وبناء غيرها تؤخر المجتمعات تأخيرا كبيرا.

لكن في ظل الوضع الحالي، فإن الابتزاز الواقع على هيكل الدولة المصرية سيستمر. تدعي الدولة أنها “أفضل إسلاما” من الجماعات، وتبتزها الجماعات الدينية بهذا الادعاء لتحصل على مزيد من السلطة. مزيد من المزايا في القمة، دون أن ينتقص هذا من مزاياها في قاع المجتمع شيئا. والنتيجة أن المواطن في المنتصف ينظر إلى أعلى فيجد اتجاها نحو تسييس الدين، وينظر إلى أسفل فيجد اتجاها نحو تسييس الدين. ولا مفر له من اختيار أحد الخيارين، وكلاهما سيئ.

باعتراف دولة يوليو بخطئها في فهم العلاقة بين الدين والدولة تفتح أفقا لتغيير هذه المعادلة. كما أنها بتوقفها عن استخدام الدين والتيارات الدينية معولا لهدم السياسة، وتمييز نفسها كراعية لكل المواطنين، تفتح أفقا لدخول قوى سياسية جديدة في بنية السياسة المصرية، وتشعر مواطنيها أن هناك طريقا آخر لممارسة السياسة.

دولة يوليو منذ قامت أشبه بلاعب يدير ثلاث كرات في الهواء، وشرط استمرار اللعبة أن تكون كرتان في اليد وواحدة مبعدة. حركة دائمة لكنها لا تفضي إلى شيء. والمواطنون منشغلون بالفرجة والتهليل والاستهجان، بينما العالم يتحرك خلف ظهورنا.

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

2 Comments on رئيس مصر يرفع شعار الإخوان المسلمين ويؤكد عليه

  1. مقالك ده كوم، وكل صحف مصر وصحفييها ومقالاتهم في كوم تاني صغنن كدة مش باين

Leave a Reply to HealdsfatherCancel reply

Discover more from البوست العربي

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading