السؤال تجاوز قطر إلى أردوغان. هل تكون قطر القشة التي أغرقت البعير؟
قطر بلد تشبه شخصا عمد إلى حيلة ذكية جدا. تحصن في بيته، وشغل ساوند سيستم جبار، له سماعات في كل العالم. يتحدث في كل منطقة بلغة، بحيث يوحي بأن طاقم تشغيل هذا الساوند سيستم طاقم خرافي.
جميل أن يتخيل الآخرون ذلك. هذا يعني أن الشخص نجح في مهمته.
لكن الكارثة أن ينسي الشخص خطته الأساسية، ويصدق فعلا ما أراد أن يروجه للعالم. في هذه اللحظة ستضيع منه شعرة الحسابات الدقيقة. بين ما يستطيع أن يوحي به، ويظل قادرًا على السيطرة على انزعاج الجيران منه. وبين ما يزعج الجيران إلى درجة يصممون فيها على التدخل بأي ثمن.
أدركت قطر هذه الحقيقة في اللحظة الأولى من المواجهة مع التحالف العربي لمكافحة الإرهاب. فكان خطها الإعلامي الأول: “نحن دولة صغيرة”. ورددتها كثيرا: “نحن دولة صغيرة”.
إن صغر قطر وضعفها كان الحاجز الأكبر أمام اتخاذ قرار حاسم بشأنها من جانب الدول المتضررة. فعلا. هذا حاجز نفسي سياسي معروف: “قوته في ضعفه”. ترسخ أكثر بِعد غزو العراق للكويت ورد فعل العالم عليه.
الحاجز التالي هو تموضع قطر على خط التوتر بين قوتين، بطريقة خداعة. يبدو فيها لأول وهلة أن انحيازها الطبيعي سيكون نحو السعودية/الخليج/السنة/العرب. لكنها تلعب بالضبط على هذا الانطباع. فتضاعف الضرر.
أما الحاجز الثالث فكان الغطاء الأمريكي ولا سيما منذ ٢٠٠١، والذي تطور في سنة سقوط العراق وانتقال القاعدة الأمريكية إلى قطر ٢٠٠٣، ثم تضخم مع أوباما.
أما الحاجز الرابع فكان آلتها الإعلامية “الواصلة”، مكمن المشكلة، ومكمن المنعة في نفس الوقت.
كل تلك حواجز لا تقوّي قطر، إنما تحميها من قرار حاسم بشأنها. لاحظوا العبارة السابقة. الصعوبة في موضوع قطر هو اتخاذ القرار، وليس نتيجته. اتخاذ القرار وليس صعوبة تنفيذه.
الآن وقد اتخذ القرار منذ شهر، ومستمر، أمام أعين العالم كله، بدوله ومنظماته ومؤسساته، بل ومع كل الآلة الإعلامية القطرية الرهيبة، لا مجال من وجهة نظري للتشكيك في مدى تأثيره على قطر. هذا من باب التمني السياسي. النتيجة بالنسبة لقطر محسومة بمجرد اتخاذ القرار، مهما يكن مسار الأحداث. السمعة القطرية أصابها العيار، وليس الدوشة فقط. استبدل العالم بالآذان المستمعة إلى الساوند سيستم القطري الأعين المتفحصة للسجل القطري. ليس السجل الذي تملكه هي، بل السجل الذي يملكه جيرانها.
إنما السؤال الآن هو تركيا. وبدرجة أقل الجماعات الإرهابية.
بالنسبة للجماعات الإرهابية لاحظوا أنها ضعفت جدا في المواجهات الصريحة، كما في ليبيا. لأن هذا مقياس القوة اللوجستية التي كانت توفرها قطر. بينما ازدادت وتيرة هجماتها على مصر. لأن هذا فقط ما تملكه تلك الجماعات الآن كإجراء يائس في لحظات الاختناق.
أما تركيا، فهي مكمن الخطر القادم على المحور العثماني. وهم يعون جيدا تأثير سقوط قطر على أردوغان. لعدة أسباب.
أولا: أردوغان – حتى الآن – لم يملك كارد بلانش في تركيا. لا تزال هناك قوى أخرى تؤثر في الصراع. وهو كاد أن يفقد الانتخابات الأخيرة، وافتعل جولة صراع ساخنة مع الأكراد لكي يضطر الحزب الكردي إلى الانسحاب. الصراع في قطر يعني أن كل ما جر أردوغان إليه تركيا في السنوات الماضية من صراعات عسكرية خارجية باءت بالفشل. وعليها الآن أن تواجه الآثار الاقتصادية، والعسكرية أيضا، مع تسلح أكراد سورية. أول من يدرك هذا هو أردوغان، الذي انقلب في توجهه خلال العام الأخير فأعاد دفء العلاقات مع إسرائيل، وروسيا، بعد طول جفاء.
سيدرك هذا – بعد أردوغان مباشرة – المؤسسة العسكرية التركية.
وسيدركه أيضا قطاع كبير من الأتراك. لن أتحدث عن معارضي أردوغان، بل عن مؤيديه. وفيهم كثيرون من طبقة صغار ومتوسطي رجال الأعمال التي صنعها بولاند أجاويد، محرر الاقتصاد التركي من سيطرة العسكريين، ثم صعدت أكثر في ظل أردوغان.
ثانيا: قطر، بالنسبة لتركيا، ليست حليفا سياسيا فقط. بل حليفا “غازيا” – نسبة إلى الغاز، أيضا. إن فقدها فقد ورقة ضغط كبيرة في أوروبا. (هذا يفسر موقف ألمانيا المحير للبعض تجاه قطر، والعائد إلى رغبتها في الحصول على أصوات الجالية التركية المسلمة، التي تتصدرها لجان الإخوان المسلمين. وعائد أيضا إلى احتياجها للغاز، حيث أدى الخلاف مع روسيا حول أوكرانيا قبل أعوام إلى أزمة حادة في ألمانيا في إمدادات الغاز).
ثالثا: الأثر المعنوي. حيث قطر وآلتها الإعلامية هي الصوت العربي لتركيا. وهذا جانب كبير من الهالة الأردوغانية.
لا تنشغلوا كثيرا بقطر. قيسوا حسابات التحالف العثماني من أفعال تركيا. يبدو أن قطر ستكون القشة التي أغرقت البعير.
أهلا وسهلا برأيك