مقالات هتعجبك

تشريح عقل الإخوان: ٤- لماذا السعودية عدوهم الإقليمي الأول؟

يعتقد الجمهور أن خدمات الإخوان المسلمين للحلف الإيراني وحزب الله إعلامية. هنا سترى أن الموضوع أكبر كثيرا. الإخوان في خدمة كل من يعادي السعودية والإمارات ومصر

١

في يونيو/حزيران عام ٢٠٠٧ عدت إلى لبنان في مهمة عمل للمرة الثالثة في أقل من سنة.

كانت المرة الأولى في تموز ٢٠٠٦ حيث قضيت فترة الحرب مراسلا بين حيفا في شمال إسرائيل وبين الجنوب اللبناني والبقاع وبيروت. رأيت الحرب على الجبهتين، وتابعت الحرب السياسية التي تقودها قطر على السعودية ومصر والإمارات لصالح حزب الله.

 وتابعت أيضا الحرب الإعلامية، حيث كانت قناة الإخوان المسلمين، الجزيرة، المتحدث الرسمي باسم حزب الله، سواء حين صادر قرار الدولة اللبنانية بالحرب والسلم ودفعها دفعا إلى حرب دمرتها اقتصاديا وعمرانيا، ثم حين انقلبت وجهته بعد الحرب من إسرائيل إلى الداخل، وأعلن حرب التخوين والاغتيالات على تيار المستقبل، رمز النفوذ السني.

في  ديسمبر من نفس العام، عدت مرة أخرى لأقيم أشهرا في بيروت مراسلا منتدبا في مكتب بي بي سي أغطي حصار حزب الله لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة. هذا الحصار بدأ يوم الجمعة ٨ ديسمبر بمظاهرة مليونية، ثم صلاة في ساحة الشهداء، بالقرب من قبر رئيس الوزراء رفيق الحريري. قدم له الإخوان المسلمون فيها خدمة كبرى، مستترة. لن تكون الأخيرة.

أمَّ هذه الصلاة التي دعا إليها ونظمها وجمهرها حزب الله رجل سني لبناني من طرابلس، اسمه فتحي يكن. وفتحي يكن هو زعيم الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمين)، ومؤسس منظمة العمل الإسلامي، في لبنان.

في المرة الثالثة التي عدت فيها كانت وجهتي هذه المدينة الشمالية، بلد فتحي يكن، حيث كنت أغطي المواجهات بين الجيش اللبناني وجماعة تسمي نفسها ”فتح الإسلام“، في مخيم ”نهر البارد“ لللاجئين الفلسطينيين.

في تلك الرحلة إلى طرابلس كنت على موعد لكي أعلم أكثر عن فتحي يكن، ذلك الإمام السني الغامض بالنسبة لي، وأعلم أكثر عن السياسة ووجوهها المتقلبة. تحالف قناة الإخوان مع حلف الممانعة الإيراني ظاهر للجميع. لكن الخدمات السياسية الأخرى، غير المعلنة، لا يعرف بها إلا القليل. ولا يتناولها الإعلام.

٢

سعيت في الأيام الأولى إلى تقصي أي خيط يمكن أن أتقصاه، لأفهم منه من يقف خلف جماعة فتح الإسلام التي ظهرت فجأة لتلفت الأنظار عن صراع الدولة اللبنانية مع ميليشيا حزب الله. من هي هذه الميليشيا ”السنية“ الفلسطينية التي يحذر سيد الطائفة الشيعية، حسن نصر الله، الجيش اللبناني من مطاردتها داخل مخيم اللاجئين الفلسطينيين الذي استولت عليه.

كان الخيط الأول شخصا لبنانيا تم التعرف على هويته بعد أن نفذ تفجيرا انتحاريا أودى بحياة أفراد أمن لبنانيين أثناء مداهمة الشقة التي يختبئ فيها. اسم الشخص صدام ديب. أعطاني الخيط الصحفي اللبناني حازم الأمين في تحقيق له نشر وقتها في جريدة الحياة.

وعرفت منه أن صدام ديب عاد إلى طرابلس قادما من سورية بعد أن قضى فيها سنة سجنا. وأن عودته كانت بوساطة من فتحي يكن، المذكور أعلاه، بل وفي سيارته الشخصية. الحكاية حكيت على لسان والد صدام ديب. حصلت على رقم هاتفه وذهبت إلى مقر سكنه وتأكدت من المعلومات التي قرأتها في الجريدة، وسجلت معه حوارا للراديو.

لكن الأهم من ذلك أن هذ الرابط السوري في رحلة جماعة فتح الإسلام لم يقتصر عليه. شاكر العبسي، أمير الجماعة، كان هو الآخرمسجونا في سورية، وكان مطلوبا من الأردن بسبب حكم بالإعدام على خلفية اغتيال دبلوماسي أمريكي في ٢٠٠٢، لكن سورية قررت إطلاق سراحه دون أن تسلمه للأردن. ليس هذا فحسب، بل تركته ”ينتقل“ إلى شمال لبنان.

من يعرف سورية يعرف أن المحبوسين المفرج عنهم لا يَرَوْن الشمس لينعموا بالبراح كالعصافير، ويتنقلوا بلا ضابط ولا رابط. هذا نظام استخباراتي درجة أولى. فما بال الأول يدخل إلى لبنان في سيارة فتحي يكن، إمام الصلاة في مظاهرة حزب الله لحصار الحكومة اللبنانية، والثاني يدخل من سوريا إلى لبنان زعيما لأكبر مواجهة خسر فيها الجيش اللبناني جنودا في تاريخه (١٢٨ جنديا)، وهي المواجهة التي تجاهل فيها إنذارا من سيد حزب الله الشيعي، حسن نصر الله، بأن مخيم نهر البارد خط أحمر.

لو كان هذا الموضوع عن مخيم نهر البارد لاستفضت في تفاصيله التي عاصرتها رأي العين، كمراسل صحفي. لكنني أوردت هنا ما يهمنا في فهم دور “الإخوان المسلمين” في الموضوع، ومنطقهم في المقايضة السياسية، وتقديم الخدمات، لبنان مقابل غزة، اليمن مقابل ليبيا. . إلخ.

بوادر خطة التسلل الإخواني إلى لبنان ظهرت مع محاولة تهيئة استقبال أسطوري لأردوغان، في مقابل استقبال أحمدي نجاد. كان القصد أن يطرح الإخوان المسلمون عن طريق الأموال والدعاية القطرية أردغان كامتداد جديد للنفوذ السني في لبنان، لكن الخطة لم تكتمل. وإن كانت أنبتت التساؤلات التي استمرت معنا إلى الآن.

ما الذي جمع الإخوان المسلمين بحزب البعث السوري (منفذ حماة) بحزب الله الشيعي؟ في ٢٠٠٦ قالوا إنهم اجتمعوا معه ضد ”إسرائيل“. ضد من يتحالفون معه الآن؟ وضد من تستمر قناة الجزيرة في الترويج للحلف وهو يضرب الدولة اللبنانية ذاتها، ويخرب حياة الفلسطينيين في مخيم نهر البارد؟ ويقتل شباب الجيش اللبناني؟

حين نفهم هذا سنفهم موقعهم السياسي في الإقليم، وسنعرف من هو عدوهم الأول “الحقيقي فيه”.

من؟

٣

نظرة سريعة إلى خريطة الإقليم تظهر لك ثلاثة أنواع من الدول.

النوع الأول:

دول جمهورية ذات نفوذ شيعي غالب. وتلك تشمل العراق ولبنان. الأولى كانت محكومة بالسني صدام حسين، المدعوم خليجيا، حتى حرب الكويت. والثاني كانت السعودية وإيران تتقاسمان فيه النفوذ، لكن حزب الله وسورية تغولا على النفوذ السعودي وسعيا إلى مد الهلال الشيعي باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، رمز النفوذ السني في لبنان. وانحاز إليهما الإخوان المسلمون.

وسورية هي الدولة الثالثة في هذا النوع. وهي صورة عكسية للعراق، طائفة أقلية تتمتع بنفوذ سياسي غالب. ورغم العداء الظاهر بين سورية وبين الإخوان، فقد انحاز الإخوان إلى حلفها في مواجهة السعودية. واستمر هذا حتى سنحت للحلف الإخواني فرصة الانقضاض على الحكم في سورية في ٢٠١١. هنالك فقط انقلبوا على سورية وإيران. الآن، غالبا، سيعودون إلى مقايضة إيران على صفقة في سورية بعد أن انهارت حظوظهم في الانفراد بحكمها. (وسيكون هذا على حساب السعودية والإمارات).

النوع الثاني:

دول جمهورية ذات أغلبية سنية. وتلك تشمل مصر والجزائر والسودان وتونس وليبيا. هذه الدول سيطرت فيها مؤسسات أمنية، وهي تعتمد في الحكم نوعا من الشرعية سأسميه رعاعوقراطية. فهي ليست ديمقراطية نيابية تمثيلية حزبية على النظام الغربي، ولا هي وراثة حكم بشرعية العائلة المالكة. بل تعتمد على بقاء الشرعية بقوة العرف الجماهيري، وليس المؤسسات الحزبية السياسية.

هذه الدول هي الهدف الأساسي للإخوان.

حاول الإخوان مع الجزائر في التسعينيات. ونعرف ما حدث.

السودان شهد تحالفات وانقسامات بينهم وبين الحكم هناك. ولم ينقسم التحالف إلا حين رأى الإخوان فرصة سانحة لمزيد من السلطة في دارفور. فانقلب حسن الترابي على عمر البشير. لكن الإخوان وقطر يعلمون أن الشراكة قابلة للعودة مع الرئيس عمر البشير في أي لحظة.

تونس، وإن كان الإخوان لا يحكمونها، فهي لا تزال بين قوسي أيديهم، وهم أصحاب التأثير القوي فيها. وهي المركز الإعلامي والمنظماتي العالمي للإخوان المسلمين حاليا. وقريبا جدا ستحل محل قطر في النفوذ الإعلامي.

أما ليبيا فميليشياتهم هناك قادرة على التعطيل. على أقل تقدير. وكانت لهم اليد العليا المطلقة حتى بدأت موجة الضربات المصرية الأخيرة. لكن وجودهم لا يزال كثيفا.

تبقى مصر التي كانت في أفواههم. وانقلبت عليم. وهم حتى الآن يحاولون في سيناء لكي يحققوا امتدادا جغرافيا مع غزة التي حازوها بالتنسيق مع إيران وحلف الممانعة في ٢٠٠٧.

النوع الثالث:

ممالك، وتلك تشمل السعودية والإمارات، بشكل أساسي، ومملكة البحرين ذات الوضع الخاص.

هناك طبعا الأردن والمملكة المغربية، وفي كليهما حضور قوي للإخوان. وهو حضور حرج بالنسبة للأردن، يمكن أن يتغير وضعه في ثانية لو تغيرت الأوضاع في المنطقة، بسبب الوجود الفلسطيني القوي.

ماذا تبقى خارج سيطرة الإخوان من كل الحسبة السابقة؟

الدولتان الوحيدتان اللتان استعصيتا حتى الآن على الإخوان هما السعودية والإمارات. ولو فقدتا مصر كما أوشكت الأحداث أن تؤول قبل ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لكان وضعهما الآن أسوأ كثيرا.

لقد أحرز الإخوان بالتنسيق مع الحلف الإيراني تقدما ستراتيجيا مهولا منذ ٢٠٠٣ حتى الآن، يضاف إلى حكم دولتين هامتين، تركيا، ودولة قناة الجزيرة. لا يغفل عن هذا إلا مغفل أو متغافل.

كل ذلك تم عن عن طريق خطة معقدة يمكن تبسيطها إلى نقاط ثلاث أساسية سهلة الاستيعاب.

٤

هذه النقاط الثلاث في الخطة الاستراتيجية الإخوانية كالتالي:

١– التعاون وتقديم الخدمات للنوع الأول (الهلال الشيعي – الممانعة)،

٢– غرض هذا التعاون السعي إلى فرصة للسيطرة على النوع الثاني (الجمهوريات) استغلالا لثغرة شرعية الحكم المعلنة (الديمقراطية التي تخلو من أحزاب تنافسهم إن فشلت الدولة الرسمية).

٣– لتحقيق هذه السيطرة لا بد من ضمان إضعاف النوع الثالث (الممالك)، الذي ليس لهم إلى شرعية الحكم فيه سبيلا. وذلك عن طريق إضعاف مواضع نفوذهم، في لبنان وفلسطين وإثارة القلاقل في اليمن والبحرين… تحدثت عن هذا باستفاضة في مقال سابق بعنوان هل قطر نملة سلمان قبل أن يلتقي الجيشان.

اختصارا وفي جملة واحدة: تقديم الخدمات لحلف الممانعة، سعيا إلى السيطرة على الجمهوريات باستخدام ”الرعاعوقراطية“ تحت مسمى الديمقراطية، مع ضمان استمرار الضغط وإثارة القلاقل في الممالك.

وفي وسط هذا كله، ضمان أن يكون الكاسب الوحيد، المتمدد يوما بعد يوم في امتلاك وسائل القوة، هو حلف الإخوان. أي تركيا وقطر ثم تونس وليبيا وغزة. إن تابعت الخط العام للجزيرة، قناة الإخوان، ستجد أن هذا بالضبط الوعاء الجامع والتفسير الشامل لكل مواقفها واتجاهاتها. وهم لا يمانعون من أجل هذا المكسب في تقديم مكاسب لحلف الممانعة، ولكن ليس للممالك المستقرة أبدا.

ikhwman map.jpg

تبقى هناك تفاصيل كثيرة، ومواقف محلية متباينة على حسب وضع الإخوان في كل موقع من تلك الدول. فهم في جمهورية كالجزائر، بعد ضربات التسعينيات، لهم وضع مختلف. وفي مملكة كالأردن، او المغرب، حيث يتمتعون بقوة سياسية، لهم وضع مختلف. لكن ما ذكرته أعلاه هو الإطار العام.

٥

ما الغرض من كل هذا؟ الغرض أن نفهم ”نتائج“ الموقف السياسي من فهمنا لدوافعه.

نفهم لماذا استماتت السعودية والإمارات في الحفاظ على مصر بعيدة عن سيطرة الإخوان.

وسنفهم لماذا يستميت الإخوان وذيولهم في فك عروة الحلف بين مصر والإمارات والسعودية. ونفهم أهمية هذا الحلف، وعواقب أي خلل يحدث فيه.

وبالتالي ستفهم أن موقفك من هاتين القضيتين يجب أن ينبع من فهمك السياسي، وليس من رغبتك في الإعجاب بنفسك في المرآة بترديد كلام وشعارات يريد الإخوان منك أن ترددها.

حلف الإخوان يريد فعلا السيطرة على سيناء، لكي تتوصل مع أرضهم التي سيطروا عليها من فلسطين، غزة. ولن يفرطوا بسهولة في ليبيا تواصلا لأرض يأملون في السيطرة التامة عليها في تونس. وبذلك يطوقون مصر من حدودها الغربية والشمالية الشرقية. ويمكنهم بسهولة أن يغروا قيادة انتهازية في السودان بأن تكون معهم.

بالنظر إلى هذا، وإلى الهلال الشيعي شمال السعودية، وإلى إثارة القلاقل في اليمن والبحرين. وإلى التاريخ الفلسطيني في الأردن، وإمكانية إشعاله. ينبغي – بقدر متوسط من الإدراك – أن تعرف أن الموضوع ليس فيديو جيم.

ستعرف لماذا كانت الزيارة الأولى للرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، إلى الجزائر.

وسترى التحالف السياسي بين مصر والسعودية والإمارات بصورة أوسع من إثارة موضوع خلافي هنا أو هناك.

وستدرك أن هذا أبسط قواعد السياسة. أن تلك الدول الثلاث في وضع حرج في الحقيقة، لم يبدأ في كسب نقاط إلا بعد ٣٠ يونيو، ثم انتخاب ترامب. لكن الخطر لم يزل. بل هناك مواجهة كبرى في الطريق. لأن المصالح تضاربت بصورة لم يعد ينفع معها التأجيل.

أي محاولة لإحداث مزيد من الضعف في هذا الحلف لا يمكن أبدا أن تكون حسنة النية، ولا أن نلتمس لها العذر بالجهل. إن كنت جاهلا فابذل بعض المجهود في موضوع جاد كهذا.

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

1 Comment on تشريح عقل الإخوان: ٤- لماذا السعودية عدوهم الإقليمي الأول؟

  1. Mohamed Salah // 27/06/2017 at 6:48 pm // Reply

    شكراً لك

أهلا وسهلا برأيك

%d bloggers like this: