مقالات هتعجبك

تشريح العقل الإخواني: ٢- الصهيونية الإسلامية

لماذا يتشابه المشروع الإخواني مع المشروع الصهيوني، ولكن في صورة أسوأ..

في بداية المقال، كما في بداية كل مقال، أذكركم بالقاعدة التي نختبرها لفهم سلوك الإخوان المسلمين، والتي أجادل بأنها – لا الدين – هي التي تحكم تصرفاتهم وقراراتهم الاستراتيجية.

القاعدة هي: ”تجريد الآخرين من وسائل القوة، واحتكارها لأنفسهم“.

إن تماشى هذا الغرض السياسي مع الدين استخدموا الدين. وإن لم يوافق الدين تجاوزوا الدين.

١

يقدم الإخوان المسلمون أنفسهم إلى الشعب المصري بعبارة ”نحمل الخير لمصر“. الترجمة السياسية لكلمة خير هي الاستقرار والثروة والرخاء.

لكن الفعل السياسي يظهر أن المقصود من الشعار مختلف قليلا عن هذه الصيغة، وأن الصيغة الأبلغ والأدق هي: ”نحجب الخير عن مصر.“ أي نحمل الخير لمصر، لكننا مدكنينه، ولن نسمح لكم به إلا حين نصل إلى الحكم.

الإخوان في الحقيقة يحملون فكرة الصهيونية كما يعتقدون أنها كانت، يحملون فكرة التوق إلى دولة الخلافة، واعتبار وجودهم في أوطانهم الحالية وجودا مؤقتا، في حيز جغرافي، لا قيمة له إلا حين يصير الدولة القومية الإسلامية. أسمي هذا السلوك ”الصهيونية الإسلامية“.

لكن على عكس اليهود، الذين ساهموا في رفعة أوطانهم الأوروبية، فكان منهم العلماء والمثقفون والسينمائيون، وغيروا تاريخ العالم. يقتصر الإخوان المسلمون في مشروعهم الصهيوني الإسلامي على ضمان بقاء النقمة في أوساط الناس، واختصاص الشعب الإخواني في الشتات بالقوة. أعني بشعب الشتات كل أفراد الإخوان الذين يعيشون في بلادهم، ولكن لا يحبونها، ولا يعتبرون أنها بلادهم، حتى تُرفَعَ عليها راية مشروعهم.

ذلك أن الإخوان يعرفون فعلا، من واقع ما نرى من تصرفات دولتيهما، تركيا وقطر، أين تكمن المصالح السياسية والاقتصادية. وأين السبيل إليها. لكنهم، على الرغم من هذا، يعارضونه في مصر.

٢

الدول على اختلاف حالها من الضعف والقوة تحتاج جميعا إلى بناء تحالفات سياسية قوية، تمكنها من الحفاظ على الأمن والسلم اللازمين لتحقيق النمو، في خط بياني صاعد لا ينقطع.

تُبادل الأممُ في هذه التحالفات ما لديها ولو كان قليلا، بما تحتاج إليه. كما بادلت تركيا موقعها الجغرافي الممتاز بالعضوية في حلف الناتو. قدمت خدمة للستراتيجية العسكرية الغربية، وحصلت على قوة إقليمية وأمان عسكري. حولت نفسها إلى دولة لا يمكن تغافل مصالحها. واستخدمت هذا في تحقيق مصالحها.

كما أقامت تركيا علاقات جيدة جدا مع إسرائيل، كونها قوة إقليمية، لها وزن سياسي عالمي.

وعلى هذا الأساس أيضا، كما يقول وزير خارجية قطر السابق في حديثه المسرب مع العقيد الليبي معمر القذافي، أقامت قطر علاقات مع إسرائيل. ولديهما قواعد عسكرية أمريكية.

هنا نتذكر أن السعودية، التي احتاجت إلى وجود قاعدة عسكرية أمريكية بعد التهديد العراقي المباشر في حرب الخليج، واجهت حربا إعلامية متواصلة من قناة الإخوان المسلمين في قطر، قناة الجزيرة، روجت فيها لدعاية ”تنظيم القاعدة“ وتحريضه، حتى تم المطلوب.

تعرضت القاعدة العسكرية الأمريكية لاعتداءات. تخلت السعودية عنها. وانتقلت القاعدة العسكرية، بفضل جهود تنظيم القاعدة وقناة الجزيرة، إلى قطر.

مثال واضح جدا على ما أقول: لقد جردت السعودية من سبب من أسباب القوة وانتقلت إلى قطر.

فصارت الخدمات العسكرية الأمريكية، والعلاقات القوية مع إسرائيل حكرا على دولتي الإخوان.

شفتوا ”استغفال“ أكتر من كده. لكنه استغفال ممنهج. يقوم به إلى جانب الإخوان تيارات سياسية أخرى، ترتبط مصالحها بمصالح الإخوان وإن لم تدن بفكرهم. هي الأخرى تسكت عن ”القواعد العسكرية“، وعن ”التطبيع“، ما دام في يد الإخوان. كلنا نعرف هذه التيارات.

هل العلاقة مع إسرائيل تهم مصر أكثر أم تهم تركيا؟ إسرائيل متاخمة لمصر حدوديا. وبين البلدين ملفات أمنية وعسكرية واقتصادية أهم كثيرا مما بينها وبين تركيا. بحكم الجوار الجغرافي. وبحكم الوضع السياسي.

إنني هنا لا أناقش السياسات نفسها، حتى لا يتوه الحوار، إنما أناقش موقف الإخوان وذيولهم. ورأيي أن هذا ليس تناقضا غير مقصود، بل هو سياسة ممنهجة مقصودة. غرضها هو جملتنا المفتاحية المتكررة لفهم كل خطوة إخوانية. ”تجريد الآخرين من وسائل القوة، واحتكارها لأنفسهم“.

لا يريدون منا علاقات مع أمريكا وإسرائيل. طيب، اعداء الله وعرفنا (ليس بالنسبة لتركيا بالطبع). لكنهم يعملون بنشاط ضد التحالف السعودي الإماراتي. يعملون بنشاط ضد التحالف المصري السعودي. يعملون بنشاط ضد التحالف المصري الإماراتي. وفي حربهم الدعائية هذه يطبقون كل ما يتهمون به اليهود. النفاق، والتقلب، والكذب، وإشاعة الأخبار المغرضة، والسعي في العداوة بين الآخرين. لعلك تعتقد أنني أشير إلى الأزمة الحالية، لكن لا، هذا مستمر منذ سنوات، بالتعاون أحيانا مع حلف الممانعة الإيراني الحزب إلهي.

إن محصلة كل تلك الأهداف المقصودة، أن تبقى الدول مفردة، ضعيفة، محرومة من اسباب القوة السياسية في كل أوجهها. ومهيئة للانقضاض الإخواني حين تسنح الظروف. بينما تهنأ دولتا الإخوان القائمتان بأسباب القوة.

٣

وأسباب القوة ليست عسكرية ولا سياسية استراتيجية فقط. هناك أيضا البعد الاقتصادي.

بالنسبة لدولة كمصر، كما تركيا، هناك حاجة إلى مصادر سريعة للدخل، تأتي من الاقتصاد الخدمي. أهم نواحي الاقتصاد الخدمي هو السياحة.

منذ الصراع مع الجماعة الإسلامية المصرية في التسعينيات، وحتى اليوم، واقتصاد السياحة هو الهدف الأول لجماعات الإسلام السياسي. الجماعة الإسلامية أنشأها الإخوان المسلمون، بالتحديد عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح، حين كانوا قيادات الجماعة في الجامعة. ورؤساء الجماعة كانوا المتحدثين الرئيسيين على منصة رابعة.

هذا عن القوة الضاربة الموجهة مباشرة إلى الاقتصاد المصري. أما القوة المحرضة ضده في خطب الإخوان، والإسلاميين عامة، فكلنا نسمعها ونعرفها.

الآن.

تعالوا نقارن السياحة في مصر، كمثال، بالسياحة في تركيا. كثير من قراء مقالي هذا زار تركيا ويستطيع الإجابة. وإن لم يزرها فقد سمع عنها. أمان ربي أمان. العدالة والتنمية الإخواني يسيطر على الحكم هناك منذ عام ٢٠٠٢، ولم يغير من وضع السياحة شيئا، ولا فرض عليها من أحكام الدين ما تفرضه الدعاية الإخوانية على مصر. لماذا؟

لأنها مصدر دخل أساسي تعلم أي دولة أنها لا تستطيع الاستغناء عنه. ولأن أهمية السياحة تتعدى كثيرا أهميتها الاقتصادية المباشرة، أهميتها أنها المنفذ الأساسي إلى الاستثمار، كونها مؤشرا لمعدل الأمان في دولة، ومؤشرا لمعدل الترحيب والقبول بالغرباء. ولأنها البنية الأساسية في تسويق دولة لنفسها، ثقافيا وسياسيا. بعد ذلك تأتي أهميتها الاقتصادية المباشرة.

هل يمكن أن تكون منطلقات الإخوان منطلقات دينية؟ إذن لماذا ممنوع في مصر مسموح في تركيا؟ أم أن الدعاية الدينية تستخدم فقط لمنع رخاء الشعب المصري؟ لحجب ”الخير“ عن مصر.

ولو اقتصر الأمر على السياحة لقلنا وجهة نظر. لكنه متماش مع كل جانب آخر من عناوين الاقتصاد الكبرى. تناقض الموقف الإخواني فيها يدفعك إلى الحيرة، والحيرة لا تزول، ولا تتسق المواقف إلا حين تصل بنفسك إلى الغرض الوحيد الذي يجمع بين المواقف المتناقضة: ” ”تجريد الآخرين من وسائل القوة، واحتكارها لأنفسهم“.

ستجد في السياق المصري أن هناك فريقا يعارض سيطرة الدولة أو أي من مؤسساتها، كالمؤسسة العسكرية. على وسائل الإنتاج الاقتصادي. هؤلاء أنصار السوق الحر. وفريقا آخر لا يعارض سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج، وإن كان يعارض سيطرة المؤسسة العسكرية. وفريقا ثالثا لا يمانع في سيطرة المؤسسة العسكرية والدولة على وسائل الإنتاج.

ما موقف الإخوان؟

التناقض الإخواني هنا محير، لكنه كاشف في نفس الوقت.

فهم يعارضون سيطرة المؤسسة العسكرية. لكنهم لا يريدون سوقا حرة. هل هذا يجعلهم أقرب إلى اليسار؟ أبدا. لأنهم في نفس الوقت لا يريدون سيطرة الحكومة المركزية، حتى لو مدنية، على الاقتصاد. هل هذا يجعلهم من أنصار السوق الحرة؟ أبدا. فهم يمارسون دعاية ضد الاستثمار الأجنبي والاستثمار المحلي. ماذا يريدون؟

يريدون مصلحة شعب الإخوان. هذا هو الغرض الجامع لكل مواقفهم. ما خَص منه المؤسسة العسكرية، وما خَص منه التوجه الاقتصادي.

في خيار السوق الحر ايضا يضبطونه ضبطا على مقاس اقتصاد ”شعب الشتات الإخواني“. ويستخدمون الدين استخداما اقتصاديا عجيبا. يستخدمونه لا لتقديم رؤية اقتصادية، بل يستخدمونه أداة تسويق وتحجيز. أي أداة دعاية متكاملة. دعاية ودعاية مضادة.

الاستخدام الأول في التسويق لأنفسهم. كمثال للأمانة في التعاملات، ولا سيما أنهم يسيطرون على قطاع كبير من اقتصاد البقالة الكبرى، والصغرى، وغيرها من الاقتصادات التي تتعامل مع الجمهور مباشرة.

الاستخدام الثاني هو التحجيز، أو الدعاية المضادة.

إن جاء مستثمرون أجانب، مثل سنسبري، استخدموا ضده دعاية دينية، باعتباره يهوديا يحمل نوايا شريرة ومتآمرة. بينما الغرض الاقتصادي واضح. أنه كان منافسا لهم في مجال يكادون يحتكرونه بين المواطنين المدنيين. وهو مواد البقالة.

ويمارسون أيضا دعاية ضد مستثمرين محليين، مثل نجيب ساويرس، على أساس ديني. في أسلوب يتكرر بصورة مصغرة في الأحياء الصغيرة والحارات.

ما يجمع بين كل هذه المواقف رؤية لا يمكن التعبير عنها للعامة، تعتمد على شقين، حرمان مصر من النتائج الإيجابية للانفتاح الاقتصادي، وفي نفس الوقت تقوية اقتصاد ”شعب الجماعة“. فكأنهم يريدون اقتصادا منفتحا، ولكن بالقدر الذي يخدم الأنشطة الاقتصادية لشعب الجماعة.  هذه هي الرؤية الوحيدة للإخوان في الاقتصاد. وهي تتفق تماما مع القاعدة الحاكمة لتصرفاتهم الأخرى:

”تجريد الآخرين من وسائل القوة واحتكارها لأنفسهم.“

٤

طبق هذه القاعدة على أي مظهر آخر من مظاهر قوة الدول. على اللحمة الاجتماعية والتناغم بين أبناء الوطن. ستجد أنهم يجردون مصر منها. رغم أن دعايتهم في الدول الأوروبية وأمريكا عكس هذا على الإطلاق. إذ يقدمون أنفسهم في صورة المتسامح الودود المنفتح.

سندخل إلى المجتمع، ونخرج إلى العالم، في ما سيأتي من مقالات. سنستمر في تشريح العقل الإخواني، عقل الخطة ”الصهيونية الإسلامية“، ومنهجها.

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

أهلا وسهلا برأيك

%d bloggers like this: