تشريح العقل الإخواني: ١- كلمة السر للدخول إليه
لدى الإخوان هدف ستراتيجي أعظم، هو تحقيق الخلافة/الإمبراطورية الإسلامية.
لكي يتم تحقيق الهدف الأعظم، لا بد من المرور بمرحلتين، لا فارق بينهما إلا التتابع الزمني الطبيعي. مرحلة التهيئة ومرحلة السيطرة.
١
قد يقفز إلى أذهاننا، كون الإخوان المسلمين جماعة دعوية نضالية، أن تهيئة البلاد للحكم يعني نشر الدعوة الدينية. وهذا طبعا موجود. لكن غرض هذا المقال الأساسي أن يقول لك إن الموضوع أبعد وأوسع من هذا كثيرا. ليس هذا فحسب.
بل إن مفرق الخطأ في التعامل مع الإخوان هو النظر إليهم باعتبارهم جماعة دينية. هذا يجعلنا ننظر في الاتجاه الخطأ. ونسلك المسلك الخطأ. ونبني التصورات الخطأ في كل اتجاه نسلكه.
نبني التصورات الخطأ عن تحالفات الجماعة الإقليمية، عن ارتباطاتها الدولية، عن تحالفاتها السياسية مع جماعات وأحزاب ومجموعات فكرية حول العالم، كما نبني التصورات الخطأ أيضا عن أفرادها.
فتجد الشخص يستبعد أن فلانا من الإخوان لأنه سينمائي، أو لأنه ينتقدهم من حين لآخر، أو لأنه كاتب روايات إباحية، أو لأنه يشرب الخمر أو يقيم علاقات نسائية. ويستبعد أن فلانا من الإخوان لأنه ملحد. ويستبعد أن فلانا من الإخوان لأنه مثلي التوجه الجنسي.
ومن ثم يستبعد أن يستخدم الإخوان لوبيات المثليين جنسيا، أو لوبيات يهودية أو مسيحية أو أناركية تحررية، أو يعقدوا تحالفات مع جماعات سياسية شيعية.
ستعلم حين لا ينفع العلم
كل هذه الاستبعادات منطلقة من خطأ التصور الأصلي. أن الإخوان جماعة دينية تلتزم قالبا وقلبا بما تروجه لنا داخليا. والحقيقة غير ذلك تماما. الإخوان جماعة مظلية. بمعنى أنها جماعة جامعة لكل شيء. هي دولة كاملة، بشعبها، بأحزابها، بتناقضاتها، بمؤمنيها بملحديها، بمحافظيها بمتحرريها، كأي دولة. وهي تستخدم هؤلاء كلهم للحصول على ما ينقص هذه الدولة من مقومات الدولة، أعني الأرض المحكومة بسلطة. عند مرحلة السلطة – فقط – سنعرف الحقيقة.
هنالك فقط سنرى أي فصيل من فصائل الإخوان يملك “الشرعية”، ويملك السلطة المعنوية، ويملك تحريك الجماهير. هل هو صديقك الإخواني بس متسامح والله جدا وزي العسل، ولا صديقتك النسوية.
هنالك فقط ستظهر الوجوه الحقيقية لهؤلاء الكتاب الذين قدموا أنفسهم للجماهير على أنهم تحرريون. سنسمع منهم أقوالا مثل “فيه ناس مش عايزة تستغني عن شوية حريات شخصية نظير المصلحة العامة،” كما سمعنا من أصدقاء لنا في مصر في سنة حكم الإخوان. والمقصود من الجملة “فيه ناس مش راضية تدين لمنطق الإخوان في الحكم، منطق التدخل في حياة الأشخاص، لا السياسية فحسب كغيرهم من الديكتاتوريات، بل الشخصية أيضا. منطق الوصول بالديكتاتوية إلى داخل بيوت الناس وعقولهم والتحكم فيها”.
سنعرف حقيقة هؤلاء الكتاب، الذين كانوا يسبون الديكتاتورية السياسية، فترفعهم الجماهير على الأكتاف، الذين كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم ”الأناركيون“ الرافضون لأي سلطة. حقيقة أنهم لا يمانعون في أن تحكمنا أسوأ أنواع الديكتاتورية، ديكتاتورية الحياة الشخصية. ديكتاتورية انتمائهم الحقيقي، ديكتاتورية الجماعة الأم، الإخوان المسلمين.
وهؤلاء الناس، في الوسط الأدبي والنخبوي في مصر، هم الذين يقودون نوعين من الحملات، حملات التنجيم لأشخاص معينين، إخوان برضو أو جنود للإخوان، وحملات الاغتيال الشخصي والمعنوي لآخرين.
سنأتي إلى هذا كله، بحكايات، في المقالات المفصلة من هذه السلسلة. ولكن ليس قبل أن نصل معا، عبر هذا المقال الافتتاحي، إلى المعادلة البسيطة التي سنختبرها في كل الآتي من مقالات.
٢
لا بد أن نتفق في البداية إذن على أن الدين بالنسبة للإخوان شعار، وستار، وسلطة معنوية، ومدخل نفسي وشعوري إلى الجماهير. تماما كما كان الفقر بالنسبة للحركات الشيوعية.
الدين بالنسبة للإخوان خط محوري يملكون وحدهم سلطة التحكم في زاوية ميله واستقامته، حسب ما يريدون، أليسوا متحدثين باسم “فاطر” الكون، ومسير حركته؟ وما علينا كبشر فانين إلا ندور حوله، مهما اختلف موقعنا من فلك الشمس، ومهما اختلف ليلنا ونهارنا. يجب أن ندور حول نفس المحور، الذي يتحكم فيه الإخوان.
في الحالتين، حالة الفقر أو حالة الدين، لن تستطيع تجاوز النقاش في الموضوع. لكن هناك فارقا كبير بين أن تناقش الدين أو الفقر وأنت مهزوم أمام الخطاب الأخلاقي المعنوي. وبين أن تناقشهما وأنت مدرك أنهما في هذا السياق مجرد قضية سياسية. العلياء الأخلاقية فيها لمن يقدم منطقا أفضل ينفع الناس بالتجربة، وليس من يقدم كلاما ”يلمس المشاعر“. هذه سلطة معنوية، الهزيمة فيها هزيمة في السلطة السياسية.
والأخوان لا يمارسون هذه السلطة علينا نحن فقط، بل يمارسونها على غيرهم من الجماعات الدينية. حين نأتي إلى الموقع المناسب من الكتاب سأقدم رؤيتي لمعنى “المراجعات الفكرية”، بعيدا عن كل التصورات التي قدمت بشأنها من قبل.
وأيضا، سنطبق عليها المعادلة.
٣
حين نثبت هذه التحويلة البسيطة في النظرة إلى الإخوان. حين نشد الإخوان وذيولهم من عليائهم الأخلاقية إلى الأرض، نبدأ الخطوة الأولى، ونسأل السؤال الأول: ما هي ستراتيجية الإخوان كجماعة سياسية؟ كيف نحول هذه الستراتيجية إلى معادلة بسيطة يستطيع أي مواطن ومواطنة أن يطبقوها على الفعل الإخواني فيهفموه، مهما كان مستوى الفعل، اجتماعي، إعلامي، فكري، سياسي، إقليمي، دولي؟
كيف نحول شفرة السلوكات المعقدة والمتناقضة إلى كلمة سر تفتح لنا عقول الإخوان؟
بعد سنوات من الكتابة عن الإخوان وعن غيرهم من الحركات الإسلامية، وبعد سنوات من متابعة السياسة الداخلية في بلدي مصر، ومن الانخراط في الأوساط الأدبية والإعلامية بحكم مهنتي، ومن ملاحظة سلوك الإخوان في التجمعات المسلمة في بلدي الآخر، بريطانيا، أظن أنني عرفت هذه القاعدة، وهي بسيطة ككل القواعد في حياتنا، حين تسمعها ستقول لنفسك: هي دي، ما أحنا عارفين!!
ستراتيجية الإخوان في أي موقع لها مفتاح واحد: تجريد الآخرين من أسباب القوة، واحتكارها لأنفسهم.
٤
في سلسلة مقالاتي القادمة سأدور حول الإخوان من الداخل إلى الإقليم إلى العالم، وسأختبر تصرفاتهم على معيار هذه القاعدة السياسية. سنرى أن هذه القاعدة السياسية، لا الجدل الديني، هو محرك الإخوان المسلمين، ومفتاح فهمهم. كل أفعال الإخوان التي حسبت من قبل أنها متناقضة، ستبدو لك متسقة تماما، حين تسحب الدين من المعادلة، وتضع السياسة.
الإخوان الشيوعيون
سترسم لك المقالات ملامح الإخواني الشيوعي، والإخواني الليبرالي، والإخواني المسيحي، والإخواني المثلي، والإخواني الملحد. منهم من يعلم ذلك، ومنهم من ترتبط مصالحه ارتباطا وثيقا بشبكة الإخوان الإعلامية التي ستفاجأ باتساعها، وامتدادها، وستعلم أن السلطة الحقيقية التي يتزلف لها من يريد أن يتزلف من الإعلاميين المثقفين – دعك من عديمي الموهبة الذين يملأون شاشات الإعلام الحكومي – هي سلطة الإخوان. وأن “الأخ الأكبر” الحقيقي في مجال الإعلام غير الحكومي هو الإخوان. بل ستعلم أن الإخوان حكومة بالفعل، حكومة سلطوية تحارب الناس في موارد كسبها، وتطاردهم، وتسجنهم، وتغتالهم. حكومة لها منظمات ”غير حكومية“.
أما الأنظمة الحاكمة فأنظمة ساذجة إعلاميا، خسرت معركة النخبة، وانشغلت بالبحث عن سند شعبوي وخطاب ساذج، غرضه “يلم الليلة”، لكنه بلا صباح ينظر إليه، ولا غد يخطط له، ولا هدف يسعى للبناء عليه.
وهكذا أيضا كثير من منافسي الإخوان فكريا. تتعدد فيهم مجموعات المنهزمين معنويا، إما بسبب انخداعهم بالخطاب الديني، أو بسبب إيثارهم السلامة أمام الشعبية الكاسحة لدولة الإخوان على السوشال ميديا، أو بسبب الكسل الفكري الذي يجعلهم يستسهلون البحث عن اللايكات بالمواقف ”المضمونة“، بدلا من الجهوزية للحرب، والاستعداد النفسي للخسارة والمكسب، والصعود والهبوط، والفرح والحزن. الحياة.
أهلا وسهلا برأيك