مقالات هتعجبك

شفيق في #تيران_وصنافير، خيط للمعارضة وخيط للسعودية وخيط للإخوان. هل نجح؟

بدت #تيران_وصنافير في حديث الفريق شفيق جزيرتين في عيون غرقى. فهل نجح في جذب من أراد؟ وهل نجا؟ أم غرق في المراوحة بين #مصر و#السعودية و#الإخوان

بدأ الفريق أحمد شفيق مداخلته مع الإعلامي وائل الأبراشي بالتأكيد على أنه لن يحتاج سوى إلى أربع دقائق. واضح ان هذه كانت التعليمات التي تلقاها من فريقه الإعلامي، وليته التزم بها. أربع رسائل في أربع دقائق. أربع رسائل “لطيفة”، مستترة، تفهم ولا تقال. كما هو الحال في العالم كله.

لكن الفريق شفيق، على ما يبدو، أعطى لنفسه فسحة الكلام.

من أنا؟

الرسالة الأولى كان غرضها التأكيد على أهليته للحديث عن تيران وصنافير. كونه المقاتل الذي أرسل في سرب إغلاق مضيق تيران في مايو ١٩٦٧، فهو مرتبط – شعوريا – بتلك الأرض. وقاتل عليها.

هذه الرسالة موجهة إلى عدة أطراف، إلى محبي العسكرية المصرية في الداخل، وإلى المعترضين على “التفريط في الأرض”.

ولأن هذه الرسالة تبدو وكأنها تصب في صالح رافضي إعادة الجزر إلى السعودية، وسنرى فعلا أن ناشريها والمحتفين بها من متزعمي هذا التيار، فقد أرسل في كلامه رسالة مبطنة، مواربة، إلى السعودية، يؤكد فيها على “أخوية” الموضوع، وعلى أن وجود الجزر في يد مصر أو في يد السعودية لا يمثل فارقا.

باختصار أراد الفريق شفيق أن يطمئن المعترضين دون أن يقلق السعودية.

وأراد أن يوحي بأنه في صف القائلين أن الجزر مصرية، لكن دون أن يغلق الباب على احتمال أن تكون سعودية.

لكن هذا لا يصلح في عصر السوشال ميديا.

الناس لا تقرأ فقط الرسائل، ولكن تنظر في شخصيات حامليها. مروجو الحوار والمحتفون به، كلهم من متزعمي تيار إنكار أن الجزر مستعارة من السعودية. وقد أضافوا من عندهم ما يوحي أن الفريق شفيق في صفهم. حتى لو لم يقله. لأنه أوحى به.

ولا سيما أن الفريق شفيق استخدم نفس مفردات الخطاب فتحدث عن مشروع من دولة جارة خليجية لم يسمها قد يضر بمصالح مصر الاقتصادية، ثم أدرك أن هذا ضد السعودية فقال إن المشروع قد يتوقف بمطالبات أخوية (!!)

في نفس الوقت السوشال ميديا تحتفظ بالتصريحات السابقة، وقد سبق للفريق شفيق أن صرح بأن الجزر سعودية، كما يعرف أي سياسي حكومي في مصر، من واقع مراسلات حكومات مصر المتعاقبة مع الأمم المتحدة ومع السعودية، ومع إسرائيل، ومع أمريكا، ومع بريطانيا، من سنة ١٩٥٠ وحتى سنة ٢٠١٠. وأن ما كان مؤجلا هو موضوع ترسيم الحدود، وليس مسألة ملكية الجزر.

وسرعان ما أعيد البيان الذي نشره الفريق شفيق في أبريل الماضي، مؤكدا على سعودية الجزر، ومقدما الحجج ما يعرفه كل سياسي رسمي في مصر.

الفريق شفيق تيران.jpg

التصريحات السابقة، في مقابل الإيحاءات الحالية، أظهرت الفريق شفيق متناقضا. تناقضا انعكس على مقربين منه أيضا. فنجد أن المتحدث screenshot 2.pngالرسمي السابق باسم حملته الرئاسية، الأستاذ أحمد سرحان، يكتب تغريدة عقب الحوار مباشرة يستخدم فيها نفس المفردات اللغوية السياسية التي يستخدمها تيار رفض إعادة الجزر إلى السعودية. مثل الحكم القضائي المحلي الذي يرفض إعادة الجزر ويعتبرها أرضا مصريا.

ثم يعيد صياغة كلامه، مخففا اللغة، في تغريدة أخرى بعد ذلك بسبع ساعاتscreenshot 3.png

الملاحظ في تلك التغريدة ليس فقط تخفيف اللغة، ولكن إدراك موطن القوة في حديث الفريق شفيق، ومحاولة تجاوز موطن التناقض. وموطن القوة هو رسالته الثانية، التي لمس فيها وترا سياسيا ذكيا، حين انتقد التخبط الذي أدير به الملف.

هذا مع التأكيد، حسب اتصال بأستاذ أحمد سرحان، أنه لا يمثل الفريق شفيق حاليا، وأن ما يكتبه يعبر عن رأيه الشخصي فقط.

كفاءة الإدارة

لا يكاد أحد من متابعي هذا الملف في مصر يعارض هذا. كم التخبط وغياب الخبرة والمهارة السياسية الذي أدار به الرئيس السيسي هذا الملف غير مسبوق. بدءا من توقيت الإعلان عنه، واختياره لأن يعلن عنه بنفسه، واللغة والمنطق التي أعلن بها عن الموضوع. مرورا بالتخبط في المسار المتبع لتمرير الاتفاقية. لقد أظهر نفسه في صورة رئيس الشركة الذي لا يعرف لوائحها الداخلية، ويتجاوز أعرافها. وسمح بالتالي لعدة أطراف بالنفاذ من ثغرات أدائه، وتصوير الموضوع على أنه “بيع للأرض”.

والتقط الفريق شفيق أيضا ضيق الناس ورفضها للطريقة “السمجة” التي يدير بها الأستاذ علي عبد العال جلسات مجلس النواب. واستخدم الفريق شفيق في تلك النقطة لغة ذكية، حماسية، عاطفية. حتى كاد أن يهتف “ارفع رأسك فوق انت مصري”، على ما جرت عادة الهتاف في ٢٥ يناير ٢٠١١. “الثورة” التي قامت وهو رئيس للوزراء، ثم أقيل بسبب احتجاجات على بقائه.

نجح الفريق شفيق إذن في تقديم صورة متكاملة، مليئة بالحيوية والتفاصيل، عن الفشل في طريقة إدارة الدولة، من الرئيس السيسي نزولا، لهذا الملف. وكيف تخبطت على كل مستوياتها، وكل سلطاتها. وكيف كان منشأ هذا كله تخبط رئيس الدولة نفسه في إدارته.

ولم ينس أن يخلص من هذا إلى إغراء السيسي بمنفذ يقوده إلى مهلكة. باقتراح إجراء استفتاء. وهو إجراء إن قبله السيسي فكأنه استفتاء على مدى قدرته على إقناع المواطنين. وإن رفضه استمر التشكيك في حجم التأييد الشعبي.

لم يسأله المذيع عن جهة الاختصاص في مسألة “الحدود السياسية”. هل مزيد من الإجراءات الداخلية، مثل الاستفتاء، ستغير من ترسيم الحدود الدولية شيئا؟

لا أدري كيف كانت إجابته لو سئل. لكنني أعتقد أنه كان سيتهرب من الإجابة. بالنظر إلى حجم التغير في لغته بخصوص الجزيرتين رغبة في إرضاء القوى الرافضة لإعادة الجزيرتين إلى السعودية.

لكنه، كرئيس سابق لوزراء مصر، يعلم أن الإجراءات الداخلية لها قيمة واحدة فقط في هذا الموضوع. أن تقنع السعودية بإرجائه لظروف أفضل. في ما سوى ذلك، كل ما هو داخل مصر يخص طرفا واحدا في القضية.

لكن هذه القيمة المشار إليها مهمة لمرشح محتمل لانتخابات الرئاسة. فهي تؤكد على رسالة سابقة، أنه الرجل ذو الثقل الشعبي المناسب لإجراء صفقات معه. أنه الرجل الذي سيتمتع بثقل شرعية تمكنه من إنجاز ما يعجز عنه الرئيس الحالي.

tiran sarhan referundum.png

 وهو يريد أن يقدم على هذا دليلا أكبر ويمد أمد الجدل أكثر، بإجراء يسمح بمزيد من “تآكل الشرعية”، هو الاستفتاء.

شرعية النظام الحالي لفظة لا تهم كثيرين داخل مصر، وليست في محيط تفكيرهم، حتى في صفوف هؤلاء المعترضين على إعادة الجزر إلى السعودية، من المواطنين العاديين، غير المنضوين في منظومات سياسية. لكنها تهم، وتتردد كثيرا، لدى طرف ثقيل دعائيا ومهم انتخابيا، وفي حاجة إلى تحالفات تنقذه من الضغط الدولي الحالي على قطر. وعلى دوره في الإرهاب العالمي.

تهم الإخوان المسلمين.

هنا يوجه الفريق شفيق رسالته التالية. وهي ببساطة أنه كان رئيس الوزراء الذي سعى إلى الإفراج عن حسن مالك، وعن خيرت الشاطر، لأنه شعر أن القضية التي أدينا فيها لم تكن عادلة.

الرسالة واضحة.

جزر في عيون غرقى

وتأتي في توقيت يبحث فيه الإخوان المسلمون عن قشة تنقذهم من الغرق. وفي المقابل، توقيت تعززت فيه صورة السيسي دوليا وإقليميا في ملف مكافحتهم. في بحر الأمواج السياسية ذاك، ربما ترى أطراف كثيرة الأمل في الجزيرتين.

هل يكتفي الفريق شفيق في المرات القادمة بالتوقيت الذي رسمه له أعضاء حملته؟ الاتساق في مواقف السياسي هو الذي يبقى. ذلك درس تعلمناه من السنوات الماضية. أن الرأي العام المصري يبدو ساذجا، لكنه لا يسامح من يستغفله. قد يتأخر في اكتشاف الاستغفال، لكنه يفعل ذلك في النهاية.

لو نظر الفريق شفيق بتمعن في ما ورد في مداخلته، ربما يكتشف أين موطن القوة الذي يمكن أن يكسب به سياسيا، ويركز عليه في المستقبل، دون أن يضطر إلى مناقضة نفسه، وإلى فقدان اتساق مواقفه.

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

أهلا وسهلا برأيك

%d