مقالات هتعجبك

إغواء الحق المضلل من شيعة الحسين إلى إخوان قطر

من شيعة الحسين إلى الإخوان المسلمين، تختبئ أكثر الأفكار احتقارا للسياسة والمنطق والعقل، خلف شعار الحق. الوقت حان لاختبار ذلك. الوقت حان لاختبار التاريخ قبل أن يلفظنا

رفع الخوارج شعار “إن الحكم إلا لله” ضد كل الأطراف، بوصفهم هم أصحاب الحق المبين. رفعوا شعار “يسقط كل من خان”، يقصدون كل من ارتضى بالتحكيم حلا وسطا يحقن الدماء. اعتبروا أنهم هم وحدهم الثابتون على مبادئ الحق الناصع، المدافعون عنه، ضد علي وضد معاوية.

كان “الحق” غوايتهم. ظنوا أن الدفاع عنه أولى من الدفاع عن حياة الناس واستقرارهم. ظنوا أن له قيمة خارج حياة الناس وبقائهم. ظنوا أن له ثمنا إن كان سلعة مطروحة في سوق من الموتى. صلوا وصاموا وقاموا الليل، وكانوا كلما تعبدوا أكثر كلما تيقنوا من “الحق” أكثر. قطعوا الوصال بالناس من حولهم، ووصلوا أنفسهم بمحبوبهم في السماوات العُلى – مصدر الحق.

فزادوا على عناء الناس عناء. وعلى شقاء الناس شقاء.

الشيعة والسياسة

تصالح الحسن بن علي مع بني أمية، لكي يحفظ الدماء. لكن أخاه رأى ذلك منافيا لـ “الحق”. لا يهم ماذا يرى النَّاسُ، حتى أقربهم إليه، أنفع. لا. المهم “الحق” كما يراه هو، مغريا، جميلا، جذابا، داعيا إلى معانقته، إلى بذل الروح من أجله، إلى الانتساب إليه، إلى إخراج نسل جديد من صلبه. وليكن المهر أرواحا غالية، فالعائلة المزمعة تستحق. ستكون عائلة نورانية، من نور الحق تنشأ، وفي ظل تعاليمه تنمو وتربو.

وتجدد الصراع. وتجددت الدماء.

لكن الأهم من ذلك، ما أثر علينا إلى يومنا هذا، أن الدعاية بقيت وتجددت. دعاية إغواء “الحق” المضلل. واكتسبت وقودا لا يكاد ينضب. وصار رأس الحسين شعارا سياسيا في مقابل قميص عثمان. وأضيفت الأساطير، وشرعت الجنازات، واللطميات، لكي تضمن أن تظل المشاعر أقوى من التفكير المنطقي، تسافر من جيل إلى جيل، عبر حكايات الأطفال، ومناظر الدم. فتعمي العقول عن الرؤية.

١٤ قرنا ولا يجرؤ أحد على الجهر بمديح السياسة.

وكيف يجهرون وسط أمة تحتقر “السياسة” في مقابل “الحق”. أو هكذا تدعي. وهكذا تفشل. وتتوارث الفشل.

أمة تحتقر التفكير في مقابل “الشعور” والانطباع. تحتقر التحليل في مقابل “التنبؤ”. تحتقر “حيث إن” في مقابل “لو”.

لو حكم الحسين لأقام الحق، ولصرنا على الصراط المستقيم.

هذا كلام فارغ. والدليل أن عليا نفسه، وهو أهم عند ذلك الجيل من الحسين، لم يستطع أن يحكم. ولو حكم الحسين لغرقت هذه الأمة في الدماء أكثر مما فعلت، ولضاع الإسلام، واقتصر على أسباط بني هاشم، كما حدث مع اليهودية. هل تدرون أن هذا ما حدث مع اليهودية!! هذه قصة أخرى.

ذلك الجيل كان يعلم ما لم يجرؤ الفقه العباسي “السني” المكتوب تحت أعين الحكام من بني العباس الهاشميين على قوله. أنه لو جمع بنو هاشم بين النبوة والحكم لانهار الإسلام وانفض العرب، والناس، عنه. لذلك أصروا على التيمي أبي بكر، ثم العدي عمر، ثم الأموي عثمان، وقد خُيِّر المبشرون بالجنة (أهل الحل والعقد الذين اختارهم النبي) بينه وبين علي فاختاروه.

اختاروا كل هؤلاء قبل أن تصل إلى الهاشمي ابن عم النبي. لماذا؟ ألا تتفكرون؟ لأنهم اختاروا “السياسة” ولم يبالوا بالشعارات.

انظروا إلى الدعاية الشيعية السياسية عبر التاريخ، وصولا إلى يومنا هذا، لتفهموا. لقد اضطر أتباع الحسين لكي يدعموا فكرة “الحق” أن يعيدوا كتابة تاريخ الدين كله. أن يشككوا – في الحقيقة – في حصافة النبي في اختياره لمن حوله، أن يلغوا كل من حوله، ويشيطنوهم، لصالح علي وجعفر والعباس.

وأنا هنا لا أخوض نقاشا دينيا، نصوصيا، أخوض نقاشا تاريخيا سياسيا روائيا. لا يهمني إن كان حديث العشرة المبشرين بالجنة صحيحا أم لا. يهمني أن هؤلاء كانوا ذوي وضع سياسي مرموق في ذلك الجيل، أول لنقل ذوي “عزوة سياسية” كافية لفرض إرادتهم. هذا ما يهمني. من أين أتوا بهذا؟ من أين أتى ابن بني تيم، البطن الصغير جدا من قريش، بما يثبت أركان حكمه؟ من أين أتي ابن بني عدي، البطن الصغير جدا من قريش، بما يمكنه من تولية القادة وعزلهم، ورفعهم وخفضهم (حتى لو كانوا من بني المخزوم، قادة قريش وحملة لوائها جيلا بعد جيل)؟

هذا هو النقاش السياسي.

لكنه إغواء “الحق”، ستارة الدخان التي تعمي العيون. الشعار العاطفي الذي يقمع العقول. والذي يجعلنا في القرن الواحد والعشرين لا نزال نعتقد أن أمثال حزب الله، والشيعية السياسية، يمكن أن يقيم حياة أفضل.

أن اللطامين والندابين والجنائزيين، يمكن أن يقيموا حياة أسعد.

أن المؤمنين بالأساطير يمكن أن يحيوا الفكر ويقيموه ويقوموه.

فنحن أيضا تربية “إغواء الحق”. تربية “الأدلة النقلية” على “الحق”، لا النقاش العقلي عن النافع والضار. نحن أيضا تربية هذا الخطاب المهيمن، الذي تنبت فيه جماعات كالإخوان المسلمين “طبيعيا”، تغذيه ويغذيها، ويغذيها وتغذيه، في حلقة تاريخية مفرغة، موجودة في كتب التاريخ، لكن لا يراها إلا من يتشجع على الخروج منها والنظر إليها من بعيد. لا يراها إلا من يستطيع قراءة “الرواية”. وامتحان صدقها، وكشف ثغراتها.

أما من يدورون في الحلقة المفرغة فيعتقدون، كما هي، أنهم في رحلة التقصي الأبدي للحق، والدوران الأبدي خلفه، يدورون حيث يدور.

المنظمات الفلسطينية

والحق قد يرتدي ثوبا دينيا، كهؤلاء الذين ذكرت، أو ثوبا ثوريا أو أخلاقيا. ضع بين شقي الحا والقاف ما تشاء، ستضمن أن يشتري الناس هذا الساندوتش ويلتهمونه، ثم يتقلبون من ألم سمه، ثم يشتريه آخرون بعد أن رأوا ألما السابقين أمام أعينهم. كما اشترت الدول “حق الثورة” الفلسطينية من منظمات مسلحة، والتهمته دولة بعد دولة، وشعبا بعد شعب.

لبنان السبعينيات وشعبه رأى، ولم يبصر، ما آلت إليه الأمور في الأردن مع “الحق” الثوري الفلسطيني، فذاقوا هم أيضا نفس الساندوتش. دوق. دوق. حلاوة الحق.

الإخوان المسلمون وقطر

قطر أيضا، ككثيرين في المجتمع المصري، رأت، ولم تبصر. وهي الآن تذوق النسخة الجديدة منه، نسخة الإخوان المسلمين، لأن هناك أناسا ذوي سلطة وثروة يعتقدون، كما اعتقد غيرهم من قبل، أن أمثال الإخوان المسلمين يمكن أن “يحملوا الخير لمجتمعهم”. ألا يحملون “الحق”!!

هناك أناس يعتقدون أن التحريض على الآخرين، وقتلهم أو تبرير قتلهم، والشقاق المجتمعي الديني، ومعاداة الغرباء، والتضييق على الجيران، وملاحقة ذوي الأفكار، يمكن أن يقدم نفعا، لمجرد أنه ارتدى ثوب الحق، واستظل بشعاره. هناك أناس يستخفون بمن يقول إن ضمان الحياة مقدم على ماسواه، بل لا معنى لسواه إن غاب، ثم يأتي الأمن، ثم تأتى ما تشاء من خيارات. ويتهمونه بالتفريط، إلى آخر القائمة من أوصاف سلبية.

هذا هو الوجه الآخر لـ “الحق”، شيطنة من ليس معه. أليس هو الحق؟ إذن ما سواه ضلال. مرآة “الحق” عمياء. أحاسيسه مضطربة. قد تجرحه قبلة، أو فكرة، وتنعشه دماء.

تلك غواية “الحق” الأزلية الأبدية.

فما الذي يجعلني أقول إن فكرة “الحق” هي السبب

بسبب الألف واللام، ألف ولام التعريف. في أي مجتمع بشري هناك أكثر من “حق”. وحين تحاول جماعة ما أن تحتكر “الحق” وترفعه في وجه جماعة أخرى لن تفلح، لأن الجماعة الأخرى ستستطيع أن تأتي بـ “حق” مقابل يدافع عن مصلحتها. لا يمكن احتكار الحق إلا في وجود نبي. كل جماعة ترفع شعار الحق هي جماعة تحاول أن تقوم بدور الأنبياء، في غياب أنبياء.

ولا يكون من طريق سوى الصراع والخراب. بدلا من تفهم وجهات النظر والوصول إلى تسوية. هذا ما حدث مع كل جماعة ترفع شعار الحق في قلب مجتمع لا يناسبه هذا الحق.

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

أهلا وسهلا برأيك

%d bloggers like this: