مقالات هتعجبك

رحلة السعودية من غرفة التحكم إلى غرفة القيادة .. الموضوع مش فلوس

أعط نفسك فرصة لقراءة موضوعية للشأن السياسي. تخيل ما مرت به السعودية منذ بداية الألفية وأنت ترى رئيس أمريكا يتخذها محطة أولى في زيارته.. اسأل نفسك.. كيف حدث هذا؟

حادثتان في الألفية الثالثة دشنتا خروج السعودية من حالة التواري السياسي، والإدارة من غرفة التحكم، إلى حالة القيادة من غرفة القيادة، والاشتباك المباشر مع القضايا الإقليمية.

الأولى هي إعلان الملك عبد الله (وكان وقتها وليا للعهد) عن مبادرة بيروت للسلام مع إسرائيل. لتعلن السعودية أنها الدولة التي تقرر اتجاه الدول العربية في هذه القضية التي سيطرت على الساحة لعقود. قبل أربعين عاما لعبت مصر السادات هذا الدور القيادي، وعُزِلت، ليس فقط بسبب مواقف قوى إقليمية، ولكن بسبب مواقف قوى محلية تأتي مصلحة مصر عندها، حتى الآن، في مرتبة دون الأولى.

والثانية هي اغتيال رفيق الحريري. مهما أشرت إلى أهمية هذا الحدث في رسم مستقبل ما جاء بعده فلن أوفيه حقه. لقد كان اغتيال الحريري، بعد سنتين من غزو العراق أمريكيا، والسيطرة عليه إيرانيا، إعلانا شيعيا سياسيا بالحرب. لا أقل من ذلك ولا بقلامة ظفر. استجابت له السعودية وحاربت في سورية بالدعم، ثم في اليمن، مباشرة.

جدول زمني بسيط

افتتحت هذه الألفية بخبر كارثي بالنسبة للسعودية، معظم منفذي هجمات ١١ سبتمبر كانوا من مواطنيها. ثم توالت الأخبار الكارثية بانهيار المصد السني للمد السياسي الشيعي، عراق صدام حسين، ثم إحكام سيطرة حزب الله على لبنان، وصولا إلى نكزات الحوثيين في اليمن. كان خصوم السعودية، وقد عملت فترة لا بأس بها في لبنان، يراهنون على انهيارها الحتمي، ويبشرون بأفول دورها، ويحاولون التسريع به.

لكن السعودية نجحت رغم ذلك في استدراج أمريكا إلى صفها، إذ تكبلت قدما القوة العظمى في المثلث السني العراقي. وقدمت لها السعودية مخرجا محدودا من خلال تأثيرها على العشائر السنية. كانت تلك مرحلة استعادة التوازن، مرحلة النفس العميق والإصرار على الوقوف، والتركيز على تحييد أثر الضربات المتلاحقة.

ساعدها في ذلك حمق حزب الله ونزقه، الذي ساقه إلى كارثة اغتيال الحريري، ثم حماقة فتح الجبهة مع إسرائيل. لقد نجحت سياسة النفس العميق السعودية في استدراج هذا الثور الهائج إلى استنزاف قوته، وموارده الإيرانية، وتخريب سمعته، دوليا وإقليميا، حتى لم يبق له من مؤيدين سوى جمهوره الشيعي.

أخطار متجددة .. أوباما

لكن حزب الله بقي قائما بهذه الآلة الإعلامية الضخمة، التي أنفق عليها ببذخ، واستطاع المرور من سنين المحكمة الدولية لملاحقة قاتلي الحريري، حتى انتهت ولاية بوش الثانية وجاء باراك حسين أوباما.

دشن هذا الرئيس الزجزاج، المتردد بين شعاراته وبين ما يجب فعله سياسيا، لجولة جديدة من الصراع. تقوى فيها خصوم السعودية الإقليميون، وتساقط النظام الإقليمي الذي عرفته. فكانت خماسين الربيع العربي كفيلة بإعماء العيون، وكان الاتفاق النووي الإيراني سببا منطقيا للقلق.

إلا أن السعودية أثبتت أنها قادرة على تحريك قوافلها في الصحراء حتى في عز العاصفة. فاستطاعت بتوازن دقيق، وآلة إعلامية قوية، أن تحافظ على خيوط متناقضة، مع تركيا وقطر، ومع مصر.

واستطاعت أن تكون لاعبا أساسيا في سورية، فتستنزف حلفاء إيران فيها، وأن تهاجم حلفاء إيران في اليمن.

المباغتة

انتقلت السعودية، على خلاف أي توقع، من الثبات إلى الهجوم، من تحييد الضربات إلى توجيهها. وفي تلك الأثناء أعلنت شروطا جديدة حتى مع حلفائها. أستطيع أن أوجزها في حتمية الإقرار العلني بقيادة السعودية. وأن لا شيء مجانيا. كما فعلت في موضوع تيران وصنافير.

أما على الصعيد الدبلوماسي، فإلى جانب كل ما ذكرت سابقا، ينبغي ألا ننسى في أي تقييم للأداء السياسي السعودي أنه قبل أشهر قليلة صوت الأمريكيون لصالح قانون “جاستا”، ورأى العالم أنه موجه ضد السعودية. هل كان أحد يتخيل يومها أن أول زيارة للرئيس الأمريكي الجديد إلى دولة خارجية تكون للسعودية؟!

لو قلنا إن هذا سببه الإغداق السعودي في صفقة الأسلحة لسطحنا الموضوع جدا. نحن نتحدث عن أمريكا، وليس عن دولة صغيرة تزوغ عيناها أمام مئة مليار دولار. نستطيع أن نقرأ ونتوقع بعضا مما تم باستعراض مسار زيارة ترامب. وأغلب الظن أن الجوانب السياسية أكبر من الصفقة الاقتصادية بكثير. يبدو أن السعودية ستكمل بها ما بدأته عام ٢٠٠٢ من إعلان نفسها قبطان السفينة الإقليمية في ملف العلاقة مع إسرائيل.

المحطات الثلاث التي اختارها ترامب تؤكد على هذا المعنى، باعتبار السعودية رمزا للعالم الإسلامي، والفاتيكان رمزا للعالم المسيحي، بزيارة إسرائيل في المنتصف يكتمل الخيط بلا انكسار. أن للمسلمين مرجعيتهم، وللمسيحيين مرجعيتهم، فأين اليهود؟

ختاما،

لقد كان العراق مؤهلا إحصائيا لكي يكون أغنى دول المنطقة، وهو بلد يتمتع إلى جانب الثروة الطبيعية النفطية والزراعية والسياحية، بثروة بشرية، وتعليم بدأ منذ العهد الملكي. فلماذا لم يحدث هذا؟ بسبب السياسة، بسبب الأولويات السياسية. نفس المنطق ينطبق على إيران. اختصار السياسة في الثروة المادية اختصار مخل. لأن السياسة أولويات وأهداف وسعي لتحقيق هذه الأهداف.

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

أهلا وسهلا برأيك

%d