مقالات هتعجبك

مانشستر تدفع ثمن صفقة الإرهاب البريطانية الخاسرة من أبو حمزة المصري إلى الإخوان المسلمين

قرأت قبل زمن كتابا بريطانيا أعطاني لمحة لم أكن أتوقعها عن كيفية تعامل المخابرات البريطانية مع الإرهابيين. حادث مانشستر يجب أن يفتح الملف

قرأت قبل زمن كتابا جيدا جدا صدر في بريطانيا، عنوانه “مصنع الانتحاريين. أبو حمزة ومسجد فينزبري” The Suicide Factory, Abu Hamza and Finsbury Park Mosque

ميزة هذا الكتاب أنه يمنحنا البصيرة عن صفقة غير معلنة بين بريطانيا والإرهابيين، يمكن تلخيصها في التالي: سنستضيفكم عندنا، ولكن بشرط ألا تسال دماء في بريطانيا.

إرهابيون أم لا؟

كل ما يحيط بهذه الصفقة بعد ذلك محض رياء ونفاق تعودنا عليه واكتشفناه في الخطاب “الليبرالي”. من أمثلة الادعاءات بأن بريطانيا تفعل ذلك تماشيا مع مبادئها. مثلا: من عاش في بريطانيا قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر يعلم أن أبو حمزة المصري كان ضيفا دائما على التليفزيونات، في كل قضية تخص الإسلام أو الشرق الأوسط، وكذلك كان أتباع لا يقلون عنه تطرفا وتشددا. أي اعتراضات من قبل المجتمع الإسلامي في بريطانيا على هذا لم تجد آذانا صاغية. لكن هذا تبدل بين ليلة وضحاها. متى؟ حين سقط ضحايا في الولايات المتحدة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. اكتشف “ليبراليو بريطانيا” فجأة أن أبا حمزة وصحبه متطرفون، يحرضون على القتل، ويحتفون به، ويمجدون الإرهاب وينشرونه. وبدأ التضييق عليهم، ونزع منهم مسجد فينزبري بارك.

هذا نفس المآل الذي سبقت إليه الولايات المتحدة. هي الأخرى استضافت مفتي القتل، عمر عبد الرحمن، الرجل الذي أفتى بقتل السادات، والذي خطبه العلنية في التحريض على مسيحيي مصر، بل وعلى مسلميها ممن لا يرضى إيمانَهم، موجودة وشائعة ومتاحة. لم يتغير هذا إلا حين تورط بدور الإفتاء في تفجير داخل أمريكا عام ١٩٩٣.

في الحالتين. مع اكتشاف هذه الطبقة من الإرهابيين وإزاحتها، تصعد سريعا الشريحة التالية. شريحة الإخوان المسلمون بامتداداتهم الواسعة. هنا أقصد الإخوان المسلمين المنظمين، ولكن أيضا أعوانهم الممتدين، من المتعاطفين مع خطابهم، والمبررين. هؤلاء المسلمون العاديون الذين يكرهون الغرب، والذين يريدون من العالم ألا يتحرك، بينما الضحايا يتساقطون، حتى نتوصل إلى “تعريف” للإرهاب. تعريف صارم، يساومون به على القدرات العسكرية والسياسية للدول المتقدمة، لكي يساووا بين الفعل السياسي والعسكري وبين الإرهاب الذي يستهدف مدنيين. والذي يتغذى في أصله على عنصرية وتعصب دينيين، نعلم جميعا من أين يأتي.

القاعدة والقاعدة العريضة

الصفقة التي يقدم بها الإخوان المسلمون أنفسهم كالتالي: نحن لسنا إرهابيين، لكن لنا عند الإرهابيين عشما. شيء شبيه بما قاله صراحة محمد البلتاجي: “هذا الذي يحدث في سيناء يتوقف في اللحظة التي يعود فيها الرئيس مرسي إلى الحكم”، ولكن بالانجليزي. يا منز.

تنتقل بريطانيا، كما انتقلت أمريكا كلينتون وأوباما، إلى صفقة جديدة مع البلطجية. في الأول تعاملت كرجل أعمال يدفع للبلطجية إتاوة، هي استضافتهم، شريطة ألا يخربوا شيئا في حدود ممتلكاته. لكنهم أحرار في تخريب البلاد الأخرى. ثم حين يحدث المحتوم، ويذوق من طبخ السم، ينتقل إلى صفقة تالية مع أصحاب العشم. وأيضا يحدث المحتوم.

في الأول تجاهلوا التطرف الواضح لأبي حمزة وصحبه. والآن يتغافلون عن الدعاية الإخوانية، بمسرحية هزلية  كما رأينا في مجلس العموم. يأتون بالمجرمين ويسألونهم هل أنتم مجرمون يا سادة. فيقول المجرمون لا والله يا بيه. ويتصافح الجميع وينفض المجلس.

لماذا أقول إنها هزلية، لاسباب بسيطة جدا:

١- المخابرات البريطانية على علم كامل، بلا شك، بما ينشره الإخوان المسلمون في أدبياتهم.

٢- المخابرات البريطانية تترجم ما ينشره هؤلاء على السوشال ميديا، وتعرف جيدا ما الذي يحرضون عليه. بل لا بد أنها تعرف ما يذيعه شيوخ الجزيرة، مثل يوسف القرضاوي، بدليل أن ضجة أثيرت حين حاول زيارة بريطانيا. كانت تستطيع لو أرادات أن تطلب من باحث شاب حديث التخرج أن يأتي لها بآراء الإخوان المسلمين في العلاقة مع المسيحيين ومع المرأة ومع التوجهات الجنسية. الموضوع بسيط جدا.

٣- بريطانيا تصرفت مع أبي حمزة. أي أنها كانت تملك أدلة الإدانة، لكنها لم تكن تستخدمها طالما لم يُسَل في بريطانيا دماء.

ولماذا أقول إن ما حدث من قبل في مترو الأنفاق من تفجيرات، ثم ما حدث في مانشستر، مصير محتوم؟ للأسباب التالية:

١- الدعاية وإن كانت موجهة إلينا، بالعربية، فهي دعاية ذات غرض، غرضها تجييش المسلمين ضد الآخرين، وإشاعة الكره. هذه الدعاية لن تذهب هباء. التنظيم الإرهابي مجرد مرحلة أخيرة.

٢- التوسع والتمدد والسيطرة التي حظي بها الإخوان المسلمون أخطر كثيرا من القاعدة. لماذا؟ لأنها مغرية لفئات جديدة، ترتدي بذلات وكرافتات، وتحلم بأنفسها قادة رأي. تملك نفس عقلية القتلة، وتعتقد نفس اعتقادهم، لكنها لا تريد العمليات لأسباب تكتيكية. anas hassan
لا أكثر ولا أقل. هذه الفئات قدمت نموذجا للشباب الصغار بأنك قد تكون إرهابيا في أفكارك، لكنك مرموق في وضعك الدنيوي. مذيع في الجزيرة، أو كاتب في الهافنجتون بوست الذي تحول إلى منشور للإخوان المسلمين. تنشر فيه مقالات حث على الصبر والمصابرة حتى يأتي الله بنصره!!

٣- أدى هذا إلى توسع أكثر. الإعلام العربي العالمي حاليا تحت سيطرة كاملة لهذه الفئة. يُلحق بعضُهم بعضا في الوظائف الجديدة، ويعملون بتنسيق، فيتكالبون على هذا، وينجمون ذاك، (كما يفعلون في السوشال ميديا) بل ينجمون هذا الضيف ويعزلون ذاك من قائمة الظهرو. وكلهم يعلم أن أي خروج على الالتزام معناه أنه سيفقد كثيرا. انظروا إلى ما تنشره الأقسام العربية في الإذاعات العالمية. وانظروا أيضا إلى الإذاعات العربية. هل تعتقدون أن كل هذا سينتج أجيالا أكثر انفتاحا؟

٤- الجماعات الإرهابية نفسها في تنافس، سواء بين أجنحتها أو بين فرقها المختلفة. إن شعرت جماعة منها أنها لم تحصل على الاستفادة الكافية من صفقة، ستتدخل متعمدة إفسادها. حين تفكر في الإرهابيين، فكر في المافيا وعصاباتها ودرجات المنتمين إليها.

هل أنتم جادون في محاربة الإرهاب

الإرهاب لن يتوقف من العالم بين يوم وليلة، لكن المعركة لن تبدأ إلا حين تأخذها الدول والمجتمعات بجدية، كالجدية الأمريكية بعد ١١ سبتمبر (مع استثناء الرئيس السفساط أوباما). جدية تلاحق ليس فقط حاملي السلاح، بل مموليه من “فاعلي الخير”، مروجيه من شيوخ الفضائيات وشيوخ المساجد، المدافعين عنه من نجوم الفضائيات والعاملين بها. لا بد من تجفيف الإرهاب. من تحويله إلى أرض بور، لا تمنح نفعا ولا تقيم أودا. لكن إن استمر الإرهابيون المتخفون قادرين على الاستفادة المادية والمعنوية دون ملاحقة، ستستمر وظيفة الإرهابي المتخفي سلعة رابحة، لصاحبها، ومربحة، للإرهاب. وسندفع نحن وأبناؤنا وبناتنا الثمن. سندفعه كثيرا في مجتمعاتنا، ولن يبالي بِنَا في العالم أحد، لكن هذا العالم أيضا لن ينجو من دفع الثمن. مهما نافق.

كل التعاطف مع ضحايا الإرهاب القاتل في مانشستر، أنا أب لابنة في مقتبل العمر، والموضوع بالنسبة لي ليس أرقاما على الإطلاق. هؤلاء السياسيون مسؤولون عن الإرهاب، بتغاضيهم وتواطئهم.

About khaledalberry (93 Articles)
إعلامي عمل في بي بي سي ١٢ سنة، راديو وتليفزيون وديجيتال ميديا bbcarabic.com . راسل صحفيا من ١٣ دولة. كان مديرا مناوبا لمكتب بي بي سي عربي في العراق بعد حرب العراق. . راسل بي بي سي من حيفا وجنوب لبنان في حرب تموز /يوليو ٢٠٠٦ .شارك في تأسيس دوت مصر ورأس تحريرها . أصدر أربعة كتب هي الدنيا أجمل من الجنة، ونيجاتيف ورقصة شرقية (القائمة القصيرة للبوكر العربية) والعهد الجديد. له كتابان قيد النشر هما "الأمية المقدسة" و "انفصام شخصية مصر". . حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب جامعة القاهرة

أهلا وسهلا برأيك

Discover more from البوست العربي

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading